لحسن الحظ أن هذا الشخص لم يكن مسلماً ، وإلاّ لرأى العالم ردّات فعل قوية ومختلفة إزاء المذبحة الدموية المروعة التي ارتكبها يوم الجمعة الماضية في معسكر الشباب بجزيرة أوتويا السياحية بالنرويج ، وراح ضحيتها ما يقارب ( 95) قتيلاً وعشرات من الجرحى وخلّف أنقاض مبان عديدة من خلال هجومين أحدهما بالمتفجرات والآخر إطلاق النار مباشرة على ضحاياه .
ورغم فظاعة الجريمة التي كان بطلها وفارسها أندريس بريفيك البالغ من العمر (32) عاماً إلاّ أن أحداً لم يطلق عليه حتى الآن لقب ( الإرهابي ) أو أن هذا الوصف لم يأخذ حقّه من الزخم الإعلامي أو ما سوف يشابهه لو أن منفذ هذين الهجومين من المسلمين ، حيث لو أنه كان من أبناء جلدتنا وعقيدتنا لتصدّر خبره نشــرات الأخبــار والصحف وستكون جريمته واسمه مادة دسمة أساسية للفضائيات ، وستتحرك الآلة الإعلامية والدبلوماسية لتخرج علينا في كل ساعة بتصريحات وبيانات من هنا وهناك ممن ألف الناس تصريحاتهم ( الغثّة ) بشأن العمليات الإرهابية ، ولسوف تستنفر حتى وسائل إعلامنا وصحافتنا العربية قواها لهذا الحدث الجلل وستتبرأ من هذا الـ ” أندريس بريفيك ” – لو كان مسلماً – وستخرج علينا بعض الأقلام من بني جلدتنا تطالب باجتثاث منابع الإرهاب وتطهير منابر الجمعة ومتون المناهج ، وتتهجم على ديننا الإسلامي الحنيف وتدعو إلى التسامح أو التعايش مع الأديان ، وستظهر دعوات تتنادي إلى التضييق على المساجد ومراكز تحفيظ القرآن الكريم أو محاصرة العمل الخيري الذي يموّل أمثال هذا الإرهابي ” أندريس بريفيك ” – لو كان مسلماً – . وبالطبع ستصحب كل ذلك ضجة كبيرة ضد العرب والمسلمين وتهديدات قد تتطور – لاسمح – إلى حرب لنشر الحرية والديمقراطية على طريقة الكابوي الأمريكي كما في أفغانستان والعراق.
إن شيئاً من ذلك لم يحدث ، لا لشيء سوى أن هذا الـ ” أندريس بريفيك ” لا علاقة له بالإسلام إلاّ من حيث أنه من كبار أعدائه والمناوئين له والحاقدين عليه . فقد كان يعمل مستشارأ لرابطة الدفاع الإنجليزية اليمينية المتطرفة ، بشأن الكراهية ضد المسلمين ، جنّد نفسه لبث العداء والتطرّف ضد الوجود الإسلامي حتى أنه في ذات يوم تنفيذ هجومه ومذبحته الفظيعة ، قبل ساعات قليلة فقط ؛ نشر ماسمّاه ميثاقاً يتكون من (1500) صفحة حمل عنوان “2083 – إعلان أوروبي للاستقلال” وصف فيه الوجود الإسلامي في أوروبا بـ” الاستعمار” ودعا إلى ضرورة تسفير كل المسلمين من أوروبا بحلول عام 2020 وجاء فيه أيضاً “كما نعلم، فإن أساس المشكلات التي تعاني منها أوروبا يكمن في فقدان ثقتنا بحضارتنا أو بالأحرى بقوميتنا ، فمعظم الأوروبيين ما زالوا يخافون من العقائد السياسية ذات الطابع القومي معتقدين أن اعتناق هذه العقائد سيؤدي إلى ظهور هتلر جديد وإلى اندلاع حرب كونية جديدة ، إن هذا الخوف غير المبرر من العقائد القومية يمنعنا من إجهاض انتحارنا الوطني والحضاري بسبب الاستعمار الإسلامي المتنامي “
وفيما يخص الأسباب التي دفعته إلى الإقدام على ما أقدم عليه، يقول بريفيك: “بالنسبة لي شخصياً كان السبب الرئيس ضلوع حكومتي (النرويجية) في الهجوم على صربيا (من جانب حلف الأطلسي). فلم يكن مقبولا بالمرة أن تهاجم الأنظمة الأوروبية والولايات المتحدة إخواننا الصرب الذين لم يقترفوا ذنبا سوى محاولتهم طرد الإسلام بتسفير الألبان إلى ألبانيا” !!
للأسف الشديد ، فإن التسامح ودعوات التخلّي عن التطرّف والتعايش بين الأديان والمذاهب بضاعة لا يتم تداولها وتسويقها إلاّ في عالمنا العربي والإسلامي بينما يجري ذبحها هناك على مرأى ومسمع من العالم .