آليت على نفسي بعد نشر موضوع قطع راتب إمام ومؤذن مسجد الإسراء بمنطقة عراد في الأسبوع الماضي وماتلقيته من تواصل ومشكلات أن أحرص ألاّ أعود إليه نتيجة لما كنت أعرفه وزادت معرفتي به بعد النشر أن هنالك مشكلة في الأوقاف السنية تتعلق بعدم وجود قانون أو نظام يحكم العلاقة بينها وبين الخطباء والأئمة والمؤذنين ، وأن هذه العلاقة ربما تحكمها أمزجة أو توجهات أسهمت عبر السنوات القليلة الماضية فيما نراه أو نسمع عنه من تعميق خلافات أو مشكلات في تعيينات هؤلاء الخطباء والأئمة والمؤذنين أو طرق التعامل معهم أو إيقافهم عن الخطابة أو معاقبتهم إلى حد وقف أو قطع رواتبهم دونما احترام لمكانتهم الدينية والمجتمعية . وهو وضع ساهم ضمن أسباب أخرى في تحجيم مؤسسة دينية مقابل تغوّل مؤسسة دينية أخرى اقتربت أن تكون في حالة ( لا تُسأل عما تفعل ) .
حرصي لعدم العودة للكتابة في هذا الموضوع أيضاً يرجع لحساسيته النابعة من أهمية مؤسستنا الدينية التي نحتاج الآن – أكثر من أي وقت مضى – لتقويتها ورصّ صفوفها ولمّ شتاتها وتوحيد كلمتها . للتوضيح أكثر فإن أهل السنة والجماعة يواجهون الآن خطراً على وجودهم ، خطراً حقيقياً على حاضرهم ومستقبلهم ، ينتظرون إزائه رجال رشيدين يرمون خلافاتهم وراء ظهورهم ويسموْن عليها ، يقفزون نحو الجوهر ويتركون التفاصيل ، وينهضون لمواجهة قابل الأيام بروح جديدة ، تجمع ولاتفرّق ، تقرّب ولاتُبعد ، تُآخي ولا تُعادي . روح جديدة تُفضي إلى إلغاء أية ممارسات تشظّي وانقسام تسيء في المحصلة إلى صفّ أهل السنة والجماعة في زمن نخشى أن نتحسّر في يوم ما في المستقبل على أننا لم نعمل بما فيه الكفاية ووفق واجباتنا ومسؤولياتنا الشرعية والوطنية للمحافظة على بقاء ” الفخار” سليماً فضلاً عن زيادة قوته وصلابته . وكلّي أمل وثقة أن جمعاً من المخلصين الغيورين ، وهم كُثر ، ومنهم رئاسة الأوقاف السنية ومجلس إدارتها والعاملين فيها – الذين نكنّ لهم الاحترام والتقدير –هم الآن أحرص مني وأكثر وعياً وفهماً وخوفاً وتلمساً واستشرافاً للمستقبل .
وأما بالنسبة لما كتبه الأخ العزيز أحمد يوسف عبدالسلام بعنوان ” الشرع لايشترط استعمال مكبرات الصوت ” المنشور يوم الأحد 6 نوفمبر الحالي ، و هو ما أراد كاتبه اعتباره بمثابة رد على مانشرناه في عمودي عن قطع راتب إمام ومؤذن مسجد الإسراء بمنطقة عراد ؛ فقد تواصلت معه وبينت له أن موضوع عمودي مختلف تماماً ، لم يتطرق إلى مسألة تأييدي أو عدم تأييدي لتشغيل ( الميكروفونات ) ، ولم أتطرّق بتاتاً إلى جواز ذلك من عدمه ، ولا شأن لي بذلك ، ولم يكن هو موضوعي . ويمكنني اختصار عمودي المذكور ” قطع راتب إمام ومؤذن مسجد الإسراء بمنطقة عراد ” في النقاط الخمس التالية :
1- هناك قانون ، صدر في دولة مؤسسات وقانون ؛ يُفترض تطبيقه بالتساوي على الجميع ، سواء كان هذا القانون يتعلق باستعمال مكبرات الصوت أو غيره من القوانين . لأن هيبة الدولة لاتستقيم مع تطبيقه على ناس من دون ناس آخرين خاصة إذا صاحب تطبيقه على فئة دون أخرى نوع من التشدد وربما التعسف . بمعنى لا يصحّ أن يوجد مسجدان في منطقة واحدة ، أحدهما يشغّل ميكروفوناته كيفما ومتى شاء ، بلا حسيب ولارقيب . والآخر ممنوع من تشغيلها إلى درجة تصل إلى معاقبته بقطع راتبه !!
2- هناك قاعدة قانونية : لاعقوبة بدون نص ، القانون المذكور محل الخلاف والتناقض في التطبيق لم يُنص فيه على عقوبة قطع الراتب ، وبالتالي من أين جاءت هذه العقوبة ؟!
3- هناك قاعدة قانونية أيضاً : أن إيقاع أي عقوبة لاتتم من دون تحقيق ، وبحسب المعلومات أنه تم إيقاف راتب هذا الإمام وهذا المؤذن بدون تحقيق !
4- ( الفزعة ) للمظلومين واجب شرعي وأخلاقي بغض النظر عن انتماءاتهم ، ويتضاعف هذا الواجب إذا مسّ الظلم أرزاق الناس ومداخيلهم على نحو لم تنص به قوانين ولم يخضع لتحقيق .
5- ضرورة احترام الخطباء والأئمة والمؤذنين ، الذين لهم مكانة ينبغي العمل على رفعتها والمحافظة على هيبتها وعدم إهانتها بمثل هذه العقوبة التي لايوجد لها سند قانوني .
مع كامل احترامي لوجهة نظر القاريء الكريم الأخ أحمد الذي أتوقع بإمكانية حل مشكلته مع الإمام والمؤذن وأهل المسجد ذاته دونما حاجة لكل ما حصل ، ودونما حاجة للمساس بالأرزاق بغير وجه حق ، بغير وجه حق ..