وأما التاريخ ؛ فهو مصيبتنا الكبرى التي نشكو إلى الله ضعف محافظتنا عليه وتوريثنا إياه لأجيالنا ، صادقاً صافياً . الآن بعد أحداث 14 فبراير تحرّكت المياه الراكدة ، عندما شعرنا بأن هنالك خطراً حقيقياً على هويتنا وانتمائنا . وكناّ نقرأ ونسمع على مدار أكثر من عقدين من الزمان تصريحات إيرانية من خلال مسؤولين وقادة ونواب ورجال دين عنوانها ” البحرين مالمو ” .من مثل ماكتبه مدير تحرير صحيفة (كيهان) شبه الرسمية حسين شريعت مداري في يوليو 2007 ” البحرين جزء من الأراضي الإيرانية، وأنها انفصلت عن إيران إثر تسوية غير قانونية بين الشاه والولايات المتحدة وبريطانيا، وأن المطلب الأساسي للشعب البحريني حاليا هو إعادة هذه المحافظة ـ التي تم فصلها عن إيران ـ إلى الوطن الأم والأصلي”
ومن مثل ما تحدث به النائب داريوش قنبري أمام مجلس الشورى الإيراني وبحضور وزير الخارجية منوشهر متقي وأمام وسائل الإعلام العالمية في 27 يناير 2009، عن ” أن البحرين كانت وحتى قبل (40) عاماً جزءاً من الأراضي الإيرانية وانفصلت عن إيران عن طريق استفتاء مشبوه ” ومن مثل ادعاء رئيس التفتيش العام في (مكتب قائد الثورة الإسلامية) في مدينة مشهد الإيرانية علي اكبر ناطق نوري في فبراير 2009 تبعية البحرين لإيران واصفا إياها بأنها كانت في الأساس المحافظة الإيرانية الرابعة عشرة ، وكان يمثلها نائب في مجلس الشورى الوطني”
أما رئيس هيئة الأركان في القوات المسلحة الإيرانية اللواء حسن فيروز آبادي فلم يطالب بالبحرين فقط، بل بكامل الخليج العربي ! فقد اعتبر في أبريل 2011م : ” أن اسم وملكية وعائدية الخليج الفارسي هي للإيرانيين حسب الوثائق والمستندات التاريخية والقانونية ” وغيرها من تصريحات وادعاءات تصبّ في اتجاه تبعية تاريخية مزعومة ساعد على نشرها كتابات وادعاءات بحرينية تتكلم عن سكان أصليين وغير أصليين وتصنف الناس في البحرين على غرار ” أنتو طالعين واحنا تامين ” وتصنع تاريخاً غير صحيح عن تبعية البحرين لإيران أو أن الشيعة هم سكان أصليين ، تم نشرها وتصديقها ، حالها حال سالفة ( الأغلبية ) أو ما شابهها من مزاعم تتعلق بتاريخ البحرين لم تجد من يتصدّى لتفنيدها ، ليس على مستوى التصريحات وردّات الفعل وإنما لم تتبرّع أو تتقدّم جهة رسمية أو غير رسمية لأخذ الموضوع عن ( صدق وجد ) تدافع عن هوية وتنافح عن تاريخ عربي عريق لهذه الجزيرة مرتبط بالعروبة ومتجّذر فيها ، لا علاقة له يُعتدّ بها بالتاريخ الفارسي أو الصفوي ، هنالك رموز وأبطال وقادة عرب سطروا أمجاد وإنجازات محسوبين من أبناء هذه الجزيرة ، لا نعرفهم ، ولا يعرفهم أبناؤنا الذين باتو يعرفون – مثلاً – عن اللاعب ( ميسي ) أكثر مما يعرفونه عن تاريخهم وأصولهم . وتبعاً لهذا الجهل أو التجهيل صار البعض يسلّم ويصدّق – للأسف الشديد – بمايردده الآخرون عن أكذوبة السكان الأصليين أو مزاعم التبعية لإيران .
لا أريد أن أسترسل في المخاطر المحدقة على الهوية والانتماء ( اللغة والثقافة والتاريخ ) ففي النفس أشياء وأشياء ، ولدى الغيارى الآن مخاوف ومخاوف على الوطن في مستقبله أكثر من حاضره ، تزيد ولاتنقص ، وكلّ الأمل والرجاء أن تعيد الدولة صياغة منظومة اهتمامها بالانتماء والهوية ، أعني لغتها وثقافتها وتاريخها قبل فوات الأوان .