قبل حوالي أربع سنوات من الآن ، أقل أو أكثر ، كنت في كوالالمبور ، عاصمة ماليزيا في أجواء رحلة سياحية ضمتني مع أهلي وأبنائي وبعض العائلات البحرينية . وخلال ليلة من ليالي تلك الرحلة ، بينما كنّا نائمين بالفندق ؛ استيقظنا فجأة على وقع صوت أمطار غزيرة ، ربما لم نشهدها سابقاً أو تعرفها ذاكرتنا بحيث أننا أعتقدنا أنها ستسبب فيضاناً أو سيولاً ، بل حينما كنّا نشاهد من نافذة الغرفة هطولها صرنا نضرب أخماساً في أسداس عن مصير رحلتنا السياحية والأموال التي صرفناها في ظل هذه الفيضانات ، أو ما كنا نتوقع أنه فيضاناً . بل ذهبنا إلى أبعد من ذلك حيث انتابنا الخوف على أرواحنا وكيفية إنقاذنا وإرجاعنا إلى البحرين وما شابه ذلك من أفكار ومخاوف دارت في أذهاننا عندما كنا نشاهد آنذاك هطول هذه الأمطار.
غير أن المفاجأة الأكبر ، كانت في الصباح عندما ركبنا الباص السياحي وطاف بنا الشوارع والطرقات في كوالالمبور حيث لم نر أية آثار للأمطار التي رأيناها بالليل ، وكأن الأمر يتعلق بمدينة أخرى أو ربما كان مارأيناه مجرّد أضغاث أحلام . صدقوني لا أبالغ فيما أقوله .
ماالذي ينقصنا عن أن تكون البحرين مثل كوالالمبور عند استقبالها للأمطار ، بدلاً من هذه الحالة السيئة والغريبة المتكررة بدون حلّ كلّما سقطت علينا زخات من المطر نفترض أنها أمطار رحمة وخير وبركة فإذا بها – بسبب سوء التخطيط – تنقلب إلى غير ذلك حتى بات الكثير من الناس يضعون أيديهم على قلوبهم كلما سمعوا أخباراً من الأرصاد الجوية عن تراكم سحب واحتمال هطول أمطار .
في الحقيقة من يقرأ في تقارير وتصريحات بعض المسؤولين في بعض الأحيان عن إنجازات وأعمال خاصة فيما يتعلق بالخدمات والمرافق سيتصوّر أن الأمر يتعلق بالمدينة الفاضلة التي تكلّم عنها إفلاطون بينما الواقع على الأرض أن شوارعنا لاتصمد أمام هطول أمطار ، مجرّد أمطار – وليست سيولا ولافيضانات – فتتكوّن على إثرها برك ومستنقعات ، وربما تنطفيء كهرباء وتتعطّل إشارات مرورية وقد تفيض مياه مجاري و… إلى آخره من أمور لايمكن القبول بتكرار حدوثها على هذا النحو المستهجن لسنوات وسنوات ، والأسوأ أن ذلك يحدث في شوارع رئيسية وبعضها تم إنشاؤه حديثاً ، وبالطبع لاتسألوا عن حال الأحياء و( الفرجان ) فأولئك لاعزاء لهم !
سانحة :
يقول المستشار بلجريف في مذكراته وهو يتكلم عن الذكرى العاشرة لتنصيب الراحل صاحب السمو الشيخ حمد ( رحمه الله ) التي تم الاحتفال بها في 16 فبراير 1942م ” أنها تأجلت لبضعة أيام بسبب الأمطار الغزيرة التي اجتاحت البحرين وملأت ساحة الاستعراض بالقلعة والمساحة المفتوحة أمام القصر ” ويضيف قائلاً ” وعندما تسقط الأمطار فإنها تسبب الفيضانات لأن غالبية شوارع المنامة لا يزيد ارتفاعها عن القدمين فوق مستوى سطح البحر، كما أن المجاري التي تستخدمها في البلاد الآن لتصريف مياه الأمطار لم تكن موجودة في ذلك الحين “
ومع أن بلجريف كان يتكلم عن فترة زمنية مضى عليها مايقارب السبعون عاماً إلا أن السؤال : هل مشكلتنا مع الأمطار في شوارعنا تقارب تلك الفترة يصفها بلجريف عام 1942م !!
جزاك الله خير أخي بو فيصل على هذه المقالات الرائعة وإلى الأمام دائماً
إعجابإعجاب