نافذة الجمعة

المطففون

يقول أبوهريرة رضي الله عنه بعدما سمع أحدهم يقرأ سورة المطففين : ” ويل لأبي فلان ، له مكيالان : إذا اكتال اكتال بالوافي ، وإذا كال كال بالناقص ” وأحسب أن هذه من أجمل العبارات البليغة التي يمكنها أن تصف حال الكثيرين في الشأن البحريني الراهن وانقسام خطاب– مايسمونهم – المعارضة والموالاة إلى درجة أن يسيء المعارضون إلى مصداقية مطالبهم وموضوعية طرحهم مثلما يضعف – أيضاً – الموالون مواقفهم ويسيئون إلى أنفسهم وكذلك السلطة التي يدافعون عنها . وذلك بسبب اختلال الأوزان أو التلاعب بها عن طريق عملية التطفيف .

والتطفيف في لغتنا تعني البَخْس في المكيال والميزان إما بالازدياد إن اقتضى من الناس وإما بالنقصان إنْ قضاهم . وقد نزل تحذير من هذه الجريمة في قرآن يُتلى إلى يوم القيامة ” ويلٌ للمُطفّفين ، الذين إذا اكتالوا على الناس يَسْتوفون ، وإذا كالوهم أَو وزنوهم يُخْسرون “

خطاب المعارضة اليوم في البحرين ؛ ” إذا اكتال اكتال بالوافي ” أي بالزيادة ، فهو إن تكلّم عن نفسه أظهرها بمنزلة من لايخطأ ورفعها إلى مكانة من لايُسأل عمّا يفعل ، وألبسها الثياب البيضاء التي لايكدّر نصاعتها شيء ووضع الجميع دونها وطالب أن يكون الحوار معها لوحدها ، أجاز كل صور التحريض  واعتبر  أن المسيرات والاعتصامات حق لا ينازعها فيه شيء . وأما ” إذا كال كال بالناقص ” فالمظلومية أساس لايغادر تحركاتها وطرحها ، والعنف والتخريب دفاع عن النفس ، وسكب الزيت وحرق الإطارات  ضغط على الدولة ، وقنابل المولوتوف مقاومة , وهكذا ، فأساؤوا بتطفيفهم إلى صورة المعارضة وشوّهوا حركتهم .

 وأما خطاب الموالاة فقد اعتمد في الغالب على ” إذا اكتال اكتال بالوافي ” أي بالزيادة أو ما يمكن تسميته ( التطبيل )  ،  فما من مشروع أو مبادرة أو موقف من الدولة إلاّ وتُجرى له طقوس أو مهرجانات من المدح والإشادات في صورة يرون معها أن هذا أقصى ما تتطلبه واجبات الولاء ، تضيع  فيها الكلمة الصادقة وتغيب عنها النصيحة المخلصة وتفقد البطانة الصالحة . ثم إذا حان دور الاقتضاء للنفس – ” إذا كال كال بالناقص ” – تراجع الحقّ من الكلام وارتبك الميزان وصار لسان الحال يقول : كل شيء تمام !!

إن الصدق هو قمة الإخلاص ، والمحافظة على عدالة الميزان من التطفيف هو رأس هرم الواجبات والحقوق الوطنية ، وقد قال تعالى : ” وَالسَّمَاء رَفَعَهَا ووضَعَ الْمِيزانَ ، أَلاتَطغَوا في الميزانِ ، وأَقِيموا الوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِروا المِيزان” .

سانحة :

بعد مرور حوالي عام واحد ، بالضبط منذ أحداث فبراير الماضي ؛ لاتزال تصدرعن جمعيات المعارضة ( الست ) بيانات ومواقف موحدة ، وذلك في إطار تحالف قوي لايزال الشارع السنّي غير قادر – للأسف الشديد – على استنساخه أو تكراره ، رغم كل المخاطر المحدقة . ربما يحتاج هذا الشارع سنوات أكثر ليكمل انشغاله بمصالحه و(هوشاته ) و( ثاراته ) مع بعضه البعض قبل أن يكتشف أن القطار قد فاته .

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s