قبل حوالي أكثر من عشرين سنة ، عندما كنت أعمل في وزارة التربية والتعليم ؛ حضرت مؤتمراً تربوياً تعقده الوزارة بصورة سنوية لمدرّسيها بحسب المراحل التعليمية ، كان لافتاً في هذا المؤتمر بروز مصطلح جديد طرحه أحد المستشارين العرب العاملين بالوزارة آنذاك . المصطلح المقصود هو ( ميكنة التعليم ) . بعض المدرّسين أخذ الكلمة بجدية واهتمام ، لكن غالبيتهم ومعهم مسؤولين كبار بالوزارة صار هذا المصطلح محلاًّ للتندّر . ثم مضت كثرة من التصريحات الإعلامية التي أعقبت هذا المؤتمر تزدان بـ ( ميكنة التعليم ) من حيث أساسيات تلك الميكنة ومتطلباتها ومهاراتها وما شابه ذلك حتى جاء المؤتمر الذي يليه ليظهر لنا بمصطلح جديد ، وهو ( سيرورة التعليم ) لينال حظّه أيضاً من التندّر مثلما نال سابقه ( ميكنة التعليم ) كمصطلحات رنّانة وغريبة لم يعتد عليها بالذات العاملون في قطاع التدريس ، ممن كانوا يكثرون من لوْم مسؤولي الوزارة على أنهم يفرضون متطلبات وواجبات وخطط من دون تشاور أو رضا ممّن هم في الميدان الفعلي لتطبيقها .
في الحقيقة تذكرت هذين المصطلحين وأنا أقرأ الرد الكريم والسريع من وزارة التربية والتعليم الذي نشروه في اليوم التالي على مقالتي المعنونة بـ ( أيام التمدرس كافية ) بتاريخ 10 فبراير 2012م . كنت قد بينت فيها أنه يمكن للوزارة في معرض تبريرها لفكرة تمديدها الدوام المدرسي أن تقول أن ذلك من أجل تطوير التعليم وزيادة فرص الاستفادة من الوقت ، واعترضت على أنهم قد قالوا في أكثر من مرّة بأن هنالك هدْراً وخسارة قدّروها إحدى المرّات بخسارة أبنائنا الطلبة ثلاث سنوات دراسية وأنهم بحاجة لزيادة الدوام لتعويض شيئاً من هذه الخسارة !!
بيّنت في المقال سبب اعتراضي بأنه سبق للوزارة أن ردّت علينا عندما أثرنا موضوع الإجازات المسكوت عنها وقالت لنا آنذاك في شهر أكتوبر 2008م أن ” أيام التمدرس الفعلية كافية ، بل فيها فائض ، حيث ذكرت في ردها علينا أنها حريصة على ألا يقل العام الدراسي عن (180) يوماً دراسياً تطبيقاً لنص المادة (11) من القانون رقم 27 لسنة 2005بشأن التعليم ” وبالتالي ؛ مادام هناك زيادة في الأيام الدراسية فلاحاجة لنا للكلام عن خسائر سنوات دراسية .. إنه أمر منطقي .
ردّ الوزارة السريع على مقالي أراد – باختصار – أن يقول لنا هنالك فرق بين أيام التمدّرس ووقت التعلّم !! وهو فرق حاولت – مع كثرة من القراء الذين تواصلوا معي – أن أقتنع به فلم أستطع ، هل الوزارة تريد أن تقول لنا أن التمدرس غير التعلّم ؟! أو أن الأيام والوقت والساعات هي مفردات غير زمنية يمكن تعديلها وتعويض الزائد بالناقص هناك أو العكس ؟! .
سانحة :
أحد أولياء الأمور اتصل بي عندما نشرت مقالتي بأن أيام التمدرس كافية وقال لي : مادامت الوزارة لديها أيام فائضة فلتملئها بالساعة ( الزود ) التي يريدون فرضها علينا وعلى أبنائنا . لكنه عندما قرأ ردّ الوزارة علينا وقالت بالفرق بين التمدرس والتعلّم اتصل بي وطلب منيّ شرح هذا الفرق فاعتذرت له بأني أنا أيضاً لم أفهمه ! فردّ علي قائلاً : هل هذه مثل الفرق بين الاشتغال والانشغال ؟!
السلام علیکم ورحمة الله وبرکاته
الکاتب الفاضل زوید، حسب تجربتي کطالبة- سابقا- أعتقد أن هناک فعلا فرق بین التعلم والتمدرس!
لنأخذ مثالا وهو فی المرحلة الثانویة لما استحدث نظام توحید المسارات، استحدثت معه مقرارت إثرائیة لا تدخل ضمن المعدل التراکمی، وهی أقرب لأن تکون وقتا لممارسة الهوایات (الریاضة، الحاسوب، الشعر، التفکیر الریاضی، برنامج انجاز، الطبخ وغیرها من البرامج) أقرب من کونها تعلما، علی الرغم من أنها لا تخلو بالطبع من التعلم، لکنها کما أسلفت لا تدخل ضمن المعدل التراکمی، فهی بحسب رأیی المتواضع أوقات تمدرس لا أوقات تعلم.
مثال آخر هو حصص المجالات فی المرحلة الاعدادیة- لا أعلم هل هی مازالت موجودة أم لا- فهذه الأخیرة أیضا لاتحسب ضمن المعدل وهی آقرب لممارسة الهوایات کالرسم والخزف وغیره، فهی من وجهة نظری ساعات تمدرس لا ساعات تعلم، وإن کانت لا تخلو من التعلیم بطبیعة الحال.
أتمنی أن یصلکم التوضیح سریعا من وزارة التربیة، وبالله التوفیق
إعجابإعجاب