الأول هو مارسيل خليفة ، موسيقي ومغني لبناني لطالما تشنّفت أسماع الناس هنا في البحرين بأغانيه وعزفه ، وصار ضيفاً لا ينقطع عن البلاد في شتى الاحتفالات والمناسبات ، بل أعتقد أنه يكاد يكون المغني الوحيد الحاضر دائماً فيما يسمى بمهرجان ربيع الثقافة منذ بداياته ولعدّة سنوات . هذا الفنان من كثرة ( روحاته وجيّاته ) في وطننا العزيز ، ومن شدّة مايلقاه من الحفاوة والتكريم ؛ أصبح أو كاد أن يكون قطباً حاضراً ( من أهل الدار ) في مجتمعنا كأنه واحد منّا إلى درجة أنه سمح لنفسه بأن يتعدّى في عام 2007م على نواب المجلس النيابي ويتهمهم قائلاً هم “طيور ظلام وتجار فتاوى” وذلك حينما أصدر بياناً غير مهذب ، وغير لائق أن يصدر من ضيوف البلاد ، تهجم في طياته على المجلس النيابي ( السلطة التشريعية ) بسبب تشكيل المجلس للجنة تحقيق نيابية في مهرجان ربيع الثقافة .

الفنان مارسيل خليفة اتهم خطوة النواب آنذاك بأنها  “محاولة مقصودة ومنظمة لإرهاب كافة أشكال الفكر والثقافة” مبيناً أن “مثل هذه الدعوة لا تحتقر الإنسان الحر الراغب في المعرفة والمتعة لكنها تحتقر بلداً متحضراً ينتمي إلى القرن الحادي والعشرين” وخلص مارسيل في بيانه إلى القول “ارفعوا أيديكم عن حناجرنا” آنذاك قام عدد من المغرّر بهم فكرياً بـ( فزعة ) مع مارسيل ومن يقف وراء استقدامه ، وشغلوا لنا اسطوانة حرية التعبير ودواعي الإبداع والتنوير وما شابه ذلك من دعاوى بالية كانت تريد أن تسمح بـ (ثقافة ) تلتصق فيها أجساد الرجال تماماً بأجساد النساء على خشبة المسرح فيما سمّوه حينذاك ( مجنون ليلى ) .

ثم تجري في النهر مياه ، وينقلب الفنان مارسيل خليفة على الدولة التي أكرمته وأغدقت عليه واحتضنته وأتاحت له حتى حرية التعدّي والتهجم على السلطة التشريعية في الوطن . صاحبنا مارسيل رفض العام الماضي المشاركة في ربيع الثقافة ( بالطبع هذا الربيع كما سابقيه ليس له علاقة بالثقافة ولاهم يحزنون ) وذكر مارسيل في بيان له ” أنا متضامن مع أولئك الملايين الذين يهتفون ويصرخون احتجاجاً على القمع والموت، أنا منهم وفيهم، لا أبارحهم، دمي دمهم، صوتي صوتهم، مصيري مصيرهم.. غنيت لهم ومنحوني الشعور بأنهم أهلي الذين يقووننا على صنع المستحيل.. أنا منهم، وفي مواجهة من يسفك دمهم، لا يمكنني أن أخون قضيتهم ، إن ما يجري في ليبيا واليمن والبحرين، والبقية تأتي.. إنما هو مزيج من الملحمة والتراجيديا، الملحمة التي انتصرت في تونس ومصر، وستنتصر في غيرها من بلاد العرب أجمعين، والتراجيديا الدموية التي تحاول يائسة أن تعتقل التاريخ ” وأضاف قوله : “لهذا السبب، ولأنني لا يمكن أن أكون إلا مع شعبي في كل قطر عربي، أعتذر عن تلبية دعوة المشاركة في مهرجان الربيع بالبحرين،لا أستطيع إلا أن أكون في معسكر الحرية والمطالبة بالديمقراطية ونبذ العنف”.

أما الثاني فهو الفنان الكوميدي المشهور عادل إمام ، الذي تخصص في كثرة من أفلامه السينمائية في التهجم على تعاليم الدين الإسلامي  وتشويه صورة الإسلاميين . هو أيضاً لطالما استقبلته البحرين وفتحت له مسارحها ليعرض عليها ما شاء له من مسْخ وإساءات بات واضحاً مقدار تخصصه فيها .

 في عام 2007م عرض الفنان عادل إمام عندنا في البحرين مسرحيته المشهورة “بودي جارد” وهي من شدّة سوئها تم منعها في عدد من الدول الخليجية بينما سُمح لها بأن تعُرض في رحاب وطننا العزيز الذي أراد له البعض أن يكون مكبّاً لمثل هذه النفايات ، تارة باسم السياحة وتارة أخرى باسم الثقافة . هذه المسرحية فيها من الإسفاف الأخلاقي والقيمي ما جعل بعض جمهورها  يقرر الخروج من المسرح حياء وحرجاً . ومع ذلك كان هذا الفنان يتم استقباله والترحيب به رغماً عن كثيرين من المواطنين المخلصين الذين مافتأوا يكرّرون استنكارهم بشأنه وبشأن أمثاله.

ثم تجري أيضاً في النهر مياه ، وينقلب هذا الفنان ، عادل إمام الذي كانت تبسط له البحرين أكفّ الاحتضان وحفاوة الضيافة فيصف ما يحدث في البحرين بأن نفسه هو الذي يحدث في سوريا من قتل وقمع ، ويقول : ” فاقد الشيء لا يعطيه ، أيرسلون درع الجزيرة لقتل البحرينيين ويتهمون بشار بعدم احترام حقوق الإنسان ؟ “

وبذلك يكون مارسيل وعادل نموذجان – ربما – من عدّة نماذج فتحنا لها ديارنا وأكرمناها ، وكانوا على الرحب والسعة بالرغم من سوء ما كانوا يقدّمونه قبل أن نكتشف أن ميزانياتنا ذهبت هدراً وضياعاً على تلك الشخصيات والمهرجانات والأسابيع ( الثقافية ) ولم تنفع الوطن أو تخدمه في شيء عندما احتاج لمن يقف معه أمام هجمات وحروب ومواقف ، بالطبع كما ترون وتسمعون وتتابعون .