في سابق الزمان كانت أجوائنا تطرب على صوت هديل الحمام ، وتغرّد فيها البلابل والعصافير ، وتفوح في أجوائها روائح المشموم والياسمين ، لكن بعدما جرت بين الأمور مياه وتعكّر الصفاء وتبدّلت الأحوال ؛ ازدادت في سمائنا أصوات مفزعة و”مقرفة” وصرنا نصحو كل يوم عليها وعلى جديدها ، وأعني أصوات نعيق الغربان التي قالت العرب في قواميسها أن الحروف المكوّنة لاسم الغراب تعني (الغين : غدر وغرور وغمّ وغلة وغرة وغول- وهي كل مهلكة . والراء : من رزأ وردع وردى- وهو الهلاك . والألف من الألم . والباء من بلوى وبؤس وبرح وبوار).
وليس بالضرورة أن تكون الغربان المقصودة هاهنا هي الطير المسمى بالغراب مما ورد عن قبحه ولؤمه وغدره أحاديث شريفة وأقوال وأشعار كثيرة ؛ إنما الغراب استقرّ في موروثنا الشعبي أنه رمز ومصطلح للتشاؤم اعتدنا إطلاقه أيضاً على أشخاص بعينهم أو أننا يمكن أن نطلقه اليوم على مانشاهده من زيارات لشخصيات أمريكية وأوروبية تزورنا وتتجوّل هذه الأيام بيننا، تقدّم نفسها كحمائم للسلام ودعاة للإصلاح والحوار وحماة لحقوق الإنسان بينما يجب ألا يتم النظر إليها إلا على أنها غربان سود ، آكلة لحوم وجيف ، تقتات على الدماء والأشلاء ، ووراءها ما وراءها من الشرّ والشؤم بالضبط مثلما استقر عند العرب ” أنه كلما كثر نعيق الغربان في مكان فهناك دلالات على أن هناك شيء ما يُدبر فوق الأرض ، فإما أفعى تريد أن تتلقف الصغار في عشها أو هناك ثعلب أو ذئب يكشّر عن أنيابه للبدء في المكر بالانقضاض على وجبة جديدة ”
غني عن البيان أن لو كان للسيد مايكل بوسنر مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية للشئون الديمقراطية وحقوق الانسان والعمل الأميركي – الذي صرّح بأنه يزور البحرين للمرّة الخامسة خلال فترة (18) شهراً الماضية – !!! أي حرص واهتمام بحقوق الإنسان وكرامته وحريته ؛ لكان من الأولى له أن يوفر مناشداته ومبادراته ومناقشاته و( دموعه ) للذين تُنتهك إنسانيتهم في بلاده ، وهم كُثُر ، وليس المعتقلين في غياهب غوانتنامو إلاّ أحد الشواهد الكثيرة على مقدار الفضاضة في ازدواجية المعايير والكيل بمكيالين !!
لا أحد يعرف سرّ هذا الغموض في فتح المجال على هذا النحو لوزراء ومساعدين ومسؤولين من أمريكا وبريطانيا يتحرّكون في سمائنا ويلبّدون أجوائنا ويتنقلون في أراضينا على نحو لاينبيء إلاّ عن ( غربان ) تقوم بتدبير شيء ما فوق الأرض .