الإعلام ؛ هو أحد أكثر الغرائب في الشأن المحلي الحالي وربما يكون هو من الأسباب الرئيسة لزيادة تعقيداته واستمرار التأزيم في تطوراته . فهو – الإعلام – بالرغم من تنامي الاهتمام به وحرص الجميع من مسؤولين ووزراء ونواب وبلديين ورموز مؤسسات مجتمع مدني وما شابههم على ركوب موجته والظهور على ناصيته والوقوف أمام كاميراته وأضوائه ، سواء بتصريحات أو لقاءات أو تقارير أو ( وفي رمضان مجالس ) إلاّ أنه سرعان ما يكتشف المواطن أن الأمر مجرّد أحبار تغطّي بياض الأوراق أو دقائق بث يجري حرقها بلا نفع أو أنها لاتخرج عن كونها ( بيع هواء وأوهام ) أو في الغالب ( شو ) إعلامي بغرض التواجد شبه اليومي في وسائل الإعلام من دون التفكير في هذا المواطن الذي ينتظر من إعلامه وصحفه أخباراً تُفصح عن إنجازات ومشروعات وأفعال حقيقية وسط عالم تغيرت أركانه ومفاهيمه وثقافته وصار يموج بالمعلومات والإحصاءات والبيانات ، يعتمد عليها ويرسم خططه ومستقبله بناء عليها .
لاننكر أن هنالك محاولات جادة لتغيير هذا النمط القديم المتهالك من الإعلام ، نمط تقديم الأشخاص وتلميعهم على حساب الحدث والمعلومة خاصة بعد أن كشفت الأزمة المؤسفة ضعف إعلامنا وعدم جدواه ومقدار الضرر الذي أصاب البحرين بسببه ، هناك محاولات تحتاج دعمها وتشجيعها بالرغم من أن البعض لايزال يرى أو يريد بقاء هذا النمط المنتهية صلاحيته من الإعلام إرضاء – ربما – لطموحاته وتطلعاته وعلاجاً لأمراضه وتحقيقاً لنزوات ظهور وبروز مع أن الناس – في غالبهم – أصبحت تفهم وتعي وتميز بين الغثّ والسمين وتفرق بين الفشل والنجاح .
وممايُؤسف له إننا في البحرين ؛ في ظل هذا النوع من الإعلام صرنا في بعض الأحيان نرى الخبر الواحد بقراءتين ، قد يكون الفرق بينهما هو ذات الفرق بين الأبيض والأسود ! وماعليكم إلاّ أن تتابعوا – مثلاً – تغطية إعلامنا وصحفنا لما جرى في جلسة الاستماع أمام لجنة “توم لانتوس” لحقوق الإنسان بالكونجرس الأمريكي يوم الأربعاء الماضي لتكتشفوا أن صحفاً ووسائل إعلام نقلت الأبيض من تلك الجلسة فيما استحوذت أخرى بالأسود . ومابين التغطيتين والقراءتين ضاع المواطن وأصبح لامناص له من البحث عن إعلام من خارج حدود الوطن ليفهم ما دار في تلك الجلسة ويتعرّف على الألوان الحقيقية شأنه في ذلك شأن كثرة من الأخبار والمعلومات التي يتم سماعها وتداولها وانتشارها عن البحرين لكن لا يجد لها أثراً ومصداقية في وسائل إعلامها وصحفها التي يُفترض أنها حاضنتها ومصدرها وشغلها الشاغل . وتبعاً لهذا القصور نجد أنفسنا غرباء عما يجري عندنا ، لانفهم ما يدور حولنا ، لانعرف ماالذي ستأتي به الأيام القادمة .
سانحة :
من الأقوال المشهورة لصاحب السمو الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح أمير دولة الكويت رحمه الله ” نريد أن تكون الإنجازات تصريحاً لا أن تكون التصريحات إنجازاً ” .