تُعد الخنساء بنت عمرو من أشهر شعراء الجاهلية ، حتى قال عنها النابغة الذبياني: “الخنساء أشعر الجن والإنس” وكانت تسكن أقليم نجد ، ولقبت بهذا الاسم بسبب ارتفاع أرنبتي أنفها ، ذاع شعرها خصوصاً في الحزن والرثاء ، وارتبط اسمها تاريخياً بحادثتين متناقضتين ، إحداهما في الجاهلية والأخرى بعد إسلامها . أما الأولى فهي عندما قتل هاشم ودريد ابنا حرملة أخا الخنساء معاوية ، التي قامت بدورها بتحريض أخيها الأصغر صخر بالثأر، واستطاع الأخير قتل دريد انتقاماً لأخيه، ولكن صخراً أصيب وتوفي نتيجة لها فحزنت الخنساء على وفاته حزناً شديداً قيل أنها أصيبت بالعمى من شدة بكائها على موت أخيها الذي أسهبت في رثائه ، ومنها :
عيني جودا ولاتجمدا ألا تبكيان لصخر الندى
لاتبكيان الجريء الجميل لاتبكيان الفتى السيدا
طويل النجاد رفيع العماد ساد عشيرته أمردا
إذا القوم مدّوا بأيديهم إلى المجد مد إليه يدا
فنال الذي فوق أيديهم من المجد ثم مضى مصعدا
ترى الحمد يهوي إلى بيته يرى أفضل الكسب أن يحمدا
وأما الحادثة الثانية فتعود إلى معركة القادسية ، فقد خرجت الخنساء في هذه المعركة مع المسلمين في عهد الفاروق عمر بن الخطاب ومعها أبناؤها الأربعة ، وهم : عمرة، عمرو، معاوية ويزيد. وهناك وقبل بدء القتال أوصتهم فقالت: ” يا بني لقد أسلمتم طائعين، وهاجرتم مختارين، فإذا أصبحتم غداً إن شاء الله سالمين، فاغدوا إلى قتال عدوكم مستبصرين، وبالله على أعدائه مستنصرين، فإذا رأيتم الحرب قد شمرت عن ساقها، وجعلت ناراً على أوراقها، فتيمموا وطيسها، وجالدوا رئيسها عند احتدام خميسها، تظفروا بالغنم والكرامة في دار الخلد والمقامة. ” وعندما دارت المعركة استشهد أولادها الأربعة واحداً بعد واحد، وحينما بلغ الخنساء خبر استشهاد أبنائها الأربعة قالت: ” الحمد لله الذي شرفني بقتلهم، وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته”. فمضى صبرها وثباتها واستبشارها آنذاك ضرباً في الأمثال كلّما قدّمت الأمهات أبنائهن فداء للإسلام والدفاع عن الأوطان ، وذلك حتى يومنا هذا حيث ظهرت في سوريا خنساوات كُثر ، قدّمن فلذات أكبادهن ، واحداً تلو الواحد في ساح الوغا ومعركة الكرامة والحرية ، وصرن يستقبلن التهاني كلّما سقط للواحدة منهن شهيدأ يروي ثرى الشام بدمائه بينما تكرّر أمه ماقالته الخنساء من قبل ” الحمد لله الذي شرفني بقتلهم، وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته “. نساء دمشق وريفها وحلب ودرعا وحماة و… إلخ يكتبن اليوم بثباتهن ملاحم جديدة ربما لم نسمع عنها منذ عقود وقرون .. فاللهم لاتختم شهرك المبارك إلاّ بتحقيق نصرك المبين في بلاد الشام .