نافذة الجمعة

خُف عليهم يامرسي

الأصل أو الوضع الطبيعي أن أي مسؤول في مختلف الدول ، صغُر أم كبُر ، رؤساؤها وزعماؤها ووزراؤها ووكلاؤها و… إلخ إنما هم في البداية والنهاية موظفون لدى الدولة ، سواء بالانتخاب أو بالتعيين أو بأي طريقة أخرى ، لا يختلفون عن باقي موظفي ومواطني دولهم في شيء إلاّ فيما تفرضه لهم الدساتير وتقرّه القوانين . وهؤلاء الموظفون لهم رواتبهم ومكافآتهم المقرّرة لهم من ميزانية دولهم أو مما كان يُعرف في سابق الأزمان ببيت مال المسلمين ، دونما زيادة أو نقصان ، حالهم في ذلك حال بقية خلق الله الذين يشاركونهم الحياة والعيش على أراضي أوطانهم . وقد كان الخليفة الراشد ، الفاروق عمر بن الخطاب يقول : ” وُلّيت عليكم ولست بخيركم “.

          هذا هو المفترض لولا أنه أصبحت في عموم مجتمعاتنا العربية والإسلامية بالذات خلال العقود الأخيرة مثل هذه الوظائف القيادية العامة سبيلاً للإثراء الفاحش ومدخلاً للنهب والاستيلاء واللعب بثروات أوطانهم ومقدراته دونما حسيب أو رقيب ، ودونما وازع من ورعٍ أو تقوى أو ترفّع عن المال الحرام . بل ( زاد الطحين على الماي ) وصاروا يعيشون حياة ترف وبذخ وثراء تميزوا فيها بين شعوبهم بحيث أصبح أن القصور الفارهة والثروات الهائلة والأملاك والأراضي الواسعة هي الوضع الطبيعي الملازم أو اللازم لهذه الوظائف العامة حتى وإن كانت بغير وجه حق ، ودونما أن يُسأل أصحاب هذه الوظائف : من أين لكم هذا ؟!

ثروات الشعوب وأموالها العامة في غالب دولنا العربية والإسلامية صارت حقاً مستباحاً تفعل به هذه الوظائف القيادية ماتشاء ، صرفاً وبذخاً ونهباً كأنما تم إعطاءهم صكّاً فُتحت لهم بموجبه الخزائن والثروات والأموال العامة يفعلون بها ما يشاؤون . ليسوا هم فقط وإنما زوجاتهم وأبناؤهم وأقاربهم و … إلخ ممن تتغيّر حياتهم بمجرّد استلام والدهم أو قريبهم مقاليد وظيفة من هذه الوظائف القيادية فتصبح مدارسهم وأعمالهم وسفراتهم وبيوتهم ( قصورهم ) ويخوتهم وملابسهم ومأكلهم ومشربهم وحتى طيورهم وحيواناتهم غير ، أو لنقل ( بلّوشي ) وعلى حساب أموال شعوبهم من دون أن يكون لهم في ذلك أي حق . ويحدث ذلك بينما شعوبهم تعاني من منغصات العيش الكريم ، وبعض الدول من شعوبها من سكن الشوارع أو كانت معيشتهم في القبور بينما ملايين الأموال ( من أموالهم ) يجري بعثرتها كما ترون وتقرأون وتسمعون .

ولقد استقرّ في الوعي الجمعي لدى هذه الشعوب أن ذلك وضع طبيعي حتى إذا ما خالفه أحد من هذه الوظائف القيادية صار حديث الناس ومدعاة للإعجاب أو مثار للاستغراب . وهذا ما يحصل الآن مع الرئيس المصري الجديد الدكتور محمد مرسي الذي باتت أخبار اتباعه للأصل أو الوضع الطبيعي المفترض لوظيفته كرئيس دولة مجالاً خصباً للمتابعة والاستدلال والمقارنة وكذلك حتى ( للنكتة ) . فالرئيس المصري لم يقرر – مثلاً – حتى الآن الانتقال للسكن في أحد قصور الرئاسة وفضّل البقاء في سكنه ، أي شقته أو منزله المتواضع في التجمع الخامس بأحد الأحياء الشعبية بالقاهرة ، ويزاول عمله من مكتب في القصر الرئاسي . وزوجته وأبنائه على وضعهم الذي كانوا فيه قبل توليه الرئاسة حتى أن ابنه الدكتور أحمد محمد مرسي قرر أن يستمر في وظيفته كطبيب معار بقسم المسالك البولية والجراحة العامة في مستشفى المانع الأهلي في الأحساء . مؤخراً سافر الرئيس مرسي على طائرته الرئاسية إلى مكة المكرّمة لحضور المؤتمر الاستثنائي لقمة التضامن الإسلامي بينما سافرت زوجته وعدد من أبنائه في ذات الوقت لأداء العمرة على حسابها الخاص ، وعلى متن طائرة مصر للطيران حالهم حال بقية المعتمرين المصريين في واحدة من الأمور الغريبة بالنسبة للمصريين وغيرهم ممن اعتادوا على غير ذلك مما يجعل الوظائف القيادية الآن تراقب عن كثب تحرّكات مرسي وكيفية إدارته للمال العام وتضعهم في حرج بالغ أمام قصور وأملاك وعقارات واستراحات وسفرات وما شابهها من عينيات ونقديات يكون لسان حالهم إزاءها ” خُف علينا يامرسي ” !

سانحة :

يُقال أنه سُئل ذات مرّة رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان ” كيف استطعت تحويل خزينة تركيا من عجز إلى فائض؟! و كيف جعلت تركيا تصل للدرجة الـ (9) كأغنى دول العالم بعدما كان ترتيبها الـ (111) قبل توليك السلطة ؟ فأجاب باختصار: لا أسرق .

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s