راصد

العاهرة والعفاف

قبل بضعة أشهر من الآن ، بالضبط في شهر أكتوبر من العام الماضي قامت السلطات الأمنية بالولايات المتحدة الأمريكية باعتقال حوالي (700) متظاهر في مدينة نيويورك في غضون خمس ساعات فقط ، حاولوا احتلال شارع حيوي فيها يسمى ” وول ستريت ” ضمن حركة احتجاجية على الفساد والجشع وعدم العدالة في توزيع الثروات ، كانوا يريدون تحويل الشارع المذكور إلى ميدان تحرير شبيه بميادين التحرير المقامة في بعض عواصم الربيع العربي اعتماداً على الحريات والتظاهر وما شابه ذلك من مفردات ومصطلحات ( حقوقية ) يروّجها الأوروبيون والأمريكان في بلداننا بأن اتركوا الحبل على الغارب ، وأن حق التظاهر والاحتجاج إنما هي حرية تعبير لايصح المساس بها .

أمريكا التي أصدر بيتها الأبيض ومسؤوليها وبعض منظماتها هذه الأيام – وقبلها – بيانات تتعاطف مع الناشط الحقوقي نبيل رجب ، دعت فيها إلى السماح بالتظاهر لأنه حق أصيل للشعوب غير آبهة أو ملتفة – ولو من باب الحياء – بأنها أمام حركة احتجاجات شارع ” وول ستريت ” قد قامت بممارسة عملها كأي حكومة في العالم ترى أنها ملزمة ومسئولة بالوفاء بواجباتها القانونية فى حماية الممتلكات العامة والخاصة ، وفتح الطرق والشوارع وتسيير حياة مواطنيها بشكل طبيعي وردع كل من يحاول تعطيل حركة وحاجات الناس .

في بعض الأحيان تقرأ هذه البيانات والدعوات الأمريكية أو الأوروبية بشأن حرية التعبير وحق التظاهر في بلداننا فتحسب أنها صادرة من مدن أفلاطون ، المدن الفاضلة التي لاتنتهك فيها الحقوق ولاتُقمع الحريات قبل أن تُصاب بصدمة المعلّم المحتاج لأن يتعلّم قبل أن يعلّم غيره . وماقمع واعتقال المتظاهرين في ” وول ستريت” إلاّ مثالاً صارخاً واحداً على ذلك التناقض . وقد نشرت صحيفة الواشنطن بوست في بداية العام الحالي تقريراً تحت عنوان ” أمريكا ليست دولة حرية ” بينت فيه ” قائمة طويلة من القوانين والممارسات الموجودة داخل الولايات المتحدة منذ أحداث11 من سبتمبر2001 التي غيرت شكل السياسة الأمريكية الداخلية والخارجية والتي جعلت منها دولة لاتحترم حقوق الإنسان ولاتتمتع بالحرية كما يتوهم الأمريكيون – ونحن معهم –  وبذلك فقدت أمريكا بريقها ولم تعد بلاد الحريات “

واستعرض التقرير هذه القوانين والشواهد ، وكلها تتعلق بالمساس بحقوق وحريات ما كان لها أن تُمس أو ما كان للأمريكان دعوة غيرهم للمحافظة عليها بينما هم لايراعونها عندهم فيكون حالها مثل العاهرة التي تبذل كثير من جهدها لبيان معاني العفاف ومستلزمات الطهارة .

سانحة :

من أكثر الأشياء غرابة التي عرفتها في حياتي أن أكثر الناس فساداً هم أكثرهم انتقاداً وكلاماً عن الفساد !

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s