راصد

حصانة مرفوضة

مع كامل الاحترام والتقدير للدور الذي يمكن أن تلعبه الصحافة في نشر المعرفة وبيان الحقائق وبسط الرقابة على أداء أجهزة الدولة ومسؤوليها ومؤسساتها المختلفة باعتبارها سلطة لاتقل أهمية عن باقي السلطات ، فهي تكشف الأخطاء وتفضح التجاوزات وتشير إلى مواطن الضعف والخلل ، وهي أمور لابد وأن تنال الدعم والتشجيع الذي يدفعها نحو المزيد اتساقاً مع الحرية والشفافية والاهتمام المتزايد بها . غير أن ذلك ينبغي أن يسير وفق ضوابط  تحفظ للصحافة أمانتها ونزاهتها ومهنيتها ، وتمنع أن تتحول صفحاتها إلى ساحة انتقامات أوتصفية حسابات أو ابتزازات أو نشر تحريضات أو فبركات تهدم ولاتصلح ، تفرّق ولاتجمع ، تضرب أسافين تشظي في الوحدة الوطنية أو تهدم في قيم ودين الناس . ثم أمام كل سيل ذلك الاستغلال السيء الذي قد يصل – أو يفوق الجريمة – يأتي من يقول لنا أن ذلك من باب الحرية ، وأن لدى هذا الصحفي حصانة من الحبس تميّزه عن باقي البشر !! والحق أنه – الصحفي – كغيره من البشر، ربما يصيب قليلاً ويخطئ كثيراً، أو العكس . ويمكن أن يكون صاحبَ قيم حميدة، أو أن يبلغ من السوء محلاّ يزدريه الناس ، وبالتالي الصحفي بطلبه الحصانة يختار – ضمن ما يختار – أن يقذف ويجرح ويشتم ويكذب ويخط بقلمه ما يحلو له ( وربما لا يحلو للمقذوف والمجروح والمشتوم والمكذوب عليه) ويطلب أن يحيطه القانون بالحرس الخاص فلا يتعرض له أحد ؛ تلك إذن قسمةٌ ضيزى !

مؤخراً نشرت إحدى الصحف المصرية على صدر إحدى صفحاتها صورة لرئيس جمهوريتهم الدكتور محمد مرسي وكتبت بجانبها ” جاء زمن الكلاب ” فلّما تحركت النيابة العامة وحبست رئيس تحرير تلك الصحيفة بتهمة سبّ وقذف الرئيس ؛ قامت الدنيا ولم تقعد ، أو أقيمت من قبل من يختلفون مع انتماء وتوجّه الرئيس المصري وذرفوا الكثير من البكائيات على ما اسموه حرية الصحافة . حتى الصحف الأخرى من داخل مصر أو خارجها ممن تحمل ذات العداء لتوجّه وانتماء الرئيس المصري المنتخب لم تذكر سبب حبس رئيس تحرير تلك الصحيفة المصرية بالتفصيل وإنما اختصرتها كلّها في عبارة ( سبّ وقذف الرئيس المصري ) .

وأحسب أن هنالك فرق بين الحرية وقلّة الأدب ، ولو أن أحد هؤلاء الصحفيين أو الذين فزعوا معهم ؛ نُشرت صورته وكُتب بجانبها ” زمن الكلاب ” لأقام الدنيا ولم يقعدها ، ولكَفَر بشيء اسمه الحرية لكننا مشكلتنا أن البعض يرى نفسه فوق المساءلة ، أو أننا لانعرف أن حرية الصحافة ليست حقا مطلقا لصالح من يصدرون الصحف أو مقصوراً على من يكتبون فيها ، يحرّرون فيها ما يشاؤون دونما حسيب أو رقيب ، ولكنها حق أيضاً لصالح عموم الناس لا يتمايزون عنهم فيها بشيء .

ولذلك على من يتصدّرون هذه الأيام مسألة وضع تشريع جديد للإعلام والاتصال والصحافة ألاّ يفرّطوا في حقوق المجتمع فيمنحوا امتيازاً للصحفيين من دون سائر المهن أو من دون حتى سائر الناس يتعلق بالعفو المسـبق عما قد يرتكبونه من أخطاء ومخالفات وتجاوزات تحت مبررات الشفافية والحرية ربما تفوق في أثرها الجرائم الأخرى ، ومن المفترض أن نكون في البحرين الآن بعد التجربة والأحداث المؤسفة التي مرّت على وطننا العزيز أكثر وعياً وجرأة لأن يبقى التعامل مع مخالفات وتجاوزات الصحفيين حالهم حال بقيـــة خلق الله ، يصيبون ويخطئون – كما هو حال كل البشر-  وأفعالهم لابد أن يكونوا مسؤولين عنها ومحاسبين عليها كما هو بالضبط حال بقية المهن والأعمال .

سانحة :

لا أدري ماهو السبب بالضبط في التركيز عند إيجاد تشريع للصحافة أو تعديل قانون قائم لها على موضوع العقوبات أو حبس الصحفي ، كأنما الصحفي لاينقصه سوى ذلك ؟!  فهنالك قضايا وحاجات أولى بالاهتمام والعناية بها ، تتعلق باستقراره وحمايته فمنهم من قد  يتعرّض لتهديد ووعيد وتضييق وانتقامات وشكاوى لاتتوقف و … إلخ .

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s