في الأصل هي كلمة سريانية تعني البيوت الكثيرة ، مشتقة من كلمة دار والنسبة إليها داراني . وفي الجغرافيا هي اسم مدينة تقع ضمن ريف العاصمة السورية دمشق ، بالضبط في الجنوب الغربي من مدينة دمشق التي تبعد عنها قرابة (8) كم ومن النادر أن تُذكر دمشق من دون الإشارة إلى داريا. وترتفع هذه المدينة عن سطح البحر نحو (719) مترا ، ويحدها من الشمال حي المزة ومعضمية الشام ، ومن الغرب جديدة عرطوز، ومن الجنوب صحنايا والأشرفية ، ومن الشرق كفرسوسة وحي القدم ، ويبلغ عدد سكانها حوالي (500) ألف نسمة. تعد من أجمل المدن وأكثرها غناء واكتساء باللون الأخضر لما فيها من تنوّع الرياض والحقول حتى أن الخليفة العباسي المأمون قال عنها : (عجبت لمن يسكن غيرها ) كما أنها ألهبت ألسنة الشعراء وصارت محلاً لقريضهم وأشعارهم فهاهو حسان بن ثابت يقول :
لمن الــــدار أقفرت بمغان بين شاطي اليرمــــوك فالصمان
فالقــريات من بلاس فداريا فســـكاء فالقصـــور الدواني
وفي العهد العباسي نزل الخليفة المتوكل في داريا وكان يرافقه الشاعر البحتري الذي قال بجمال داريا :
العيش في ليل داريا إذا بـــردا والراح نمزجها بالماء من بردى
أما في التاريخ فيعود تاريخ داريا إلى ماقبل الميلاد ثم كانت موطنا للغساسنة قبل أن يأتيها الفتح الإسلامي بقيادة أبي عبيدة عامر بن الجراح عام 635م فأصبحت إحدى حواضره الهامة ، سكنها من الصحابة الكرام : بلال الحبشي مؤذن الرسول صلى الله عليه وسلم ، وقد تزوج من أهلها، وفيها ضريحه رضوان الله عليه ، وقيس بن عباية، وقد شهد بدراً وهو حدث السن ، وشهد فتوح الشام مع أبي عبيدة بن الجراح ، وأسود بن أصرم المحاربي، وأبو راشد الخولاني، وأبو مسلم الخولاني، الذي وفد إلى المدينة فوجد الرسول صلى الله عليه وسلم قد قبض، فمضى إلى الشام واستقر في داريا التي وفد إليها كذلك الحكماء وطلبة العلم حتى أنه روى عبد الرحمن بن يزيد بن جابر – وهو من رجال الكتب الستة – ( من أراد العلم فلينـزل بين عنس وخولان بداريا ) .
داريا ؛ مدينة اهتم المؤرخون بتوثيق تاريخها والكتابة عن أهلها وفضائلها ، لعلّ من أهم الكتب في ذلك ” تاريخ داريا ” لمؤلفه محمد حسام الدين الخطيب الداراني وكتاب الروضة الريَّا فيمن دفن بداريَّا لمؤلفه إياس غالب الرشيد وهو كتاب يتحدث عن مدينة داريا، وعن الرجال الأفاضل الذين سكنوها، ودفنوا فيها ابتداء من الفتح الإسلامي .
داريا الآن هي من أوائل المدن السورية التي انتفضت ضد نظامها الظالم وطاغيتها الغاشم ، وأبت إلاّ أن تكون ضمن حاملي لواء الثورة المباركة حتى انتقمت يد البغي منها في الأسبوع الماضي بمجزرة جديدة تُضاف إلى سجل المذابح البشعة ، قتل فيها أكثر من (300) شهيد ، غالبهم من النساء والأطفال ، عدد غير قليل من الرواة والشهود على فظاعة المجزرة كانوا يجهشون بالبكاء وهم يروون جانباً من تفاصيلها . تفاصيل مذبحة داريا ، مدينة الصحابة ، مدينة العلم ، مدينة الجمال .. هي شامة فخر وعز للأمة .