هم في الواقع عالم مختلف أو عالم خارج نطاق الحياة ، يعيشون جنباً إلى جنب مع الأموات ويمارسون مختلف صور معيشتهم بالقرب منهم ، لايختلفون عنهم إلاّ بقلوبهم التي لاتزال تنبض ، ضاقت عليهم المدن وظنّت عنهم مساحات القرى والأرياف وعجزت سلطاتهم عن توفير مآوى ومساكن لهم فلم يجدوا ملاذاً لاحتوائهم سوى أن يكونوا بجوار أمواتهم ، في مدافنهم ومقابرهم . يأكلون ويشربون وينامون ويزاحمون سكانها الأصليين ، وقد يقلقون منامهم أو يكسرون صمت المكان ويضيعون رهبته.
من أشهر الشعوب التي استوطنت جموع منها المقابر ؛ شعب عربي شقيق ، بلغ عدد سكان القبور فيه – بحسب إحصائيات غير رسمية – مليوني شخص بعائلاتهم وأبنائهم بحيث أن هذه المقابر والمدافن قد اكتظّت بهم وامتلأت بالأحياء الذين زحفوا إليها بحثاً عن مأوى يضمهم ويحقق لهم شيئاً من أحلامهم وأمنياتهم لولا أن حالة البؤس والعوز والإحباط قد قضت على وردياتهم وطموحاتهم ، فكان من نتاجها أن أبناؤهم بلا تعليم ولا أعمال مناسبة ، وبدون حاضر ولامستقبل ، تُركوا يعيشون على الهامش في حياة ليست كما حياة باقي البشر ، هدفهم الأول أو الوحيد تدبير شؤون معيشتهم وسدّ حاجتهم حتى تضخمت أعدادهم وصار محل سكنهم ومأواهم – المقابر والمدافن – قطاع سكني ( مُعتبر ) ومعروف ، وربما أصبحت لبعضهم عناوين فيها .
من يقرأ عن أحوالهم وطريقة معيشتهم وبؤس مكانهم وقتامة مشهد تدبيرهم لحياتهم ؛ لابد وأن يُصاب بالأسى ويتفطّر قلبه حزناً على وجود فئات من الناس تعيش بهذه الطريقة ، فئات تٌقدّر أعدادها بالملايين !!
على أن هذا الحزن والألم سيتضاعف مرّات عديدة حينما ينمّ إلى العلم أن ثروات ومقدّرات هذا الشعب التي كان من الممكن الاستفادة منها لتحسين سوية معيشة سكان المقابر والمدافن وغيرهم ؛ تم إهدارها أو التبذير فيها أو على الأصحّ سرقتها على نحو – على سبيل المثال وليس الحصر- قيام رئيسهم المخلوع أثناء فترته الرئاسية بشراء (29) طائرة رئاسية بقيمة مليار دولار تشمل طائرات إيرباص وجولف إستريم وهليوكبتر وطائرتين للإسعاف السريع !! وذلك بحسب ما صرّح به مسؤولو المبادرة أو اللجنة الشعبية لاسترداد الأموال المنهوبة ، التي من يتابع حجمها لايمكنه أن يصدّق أن شرائح من شعبه بمئات الآلاف يمكنها ألا تجد مأوى تسكن فيه فتضطر للجوء إلى المقابر وتتخذها سكناً بينما فخامته لديه (29) طائرة رئاسية ، مثلاً !!