راصد

سوق القيصرية

هو أحد أقدم الأسواق على مستوى البحرين وعلى الأخص في مدينة المحرق التي طالما يجري الحديث عن عبق تراثها وأهمية ماضيها والدعوة إلى عدم التفريط في عمارتها أو إهمال تطويرها ووقف نزيف هجرة أهاليها والمحافظة على ( ناسها ) من الظعن إلى ما سواها من المناطق بعدما طال المحرق من الإهمال أو النسيان ما جعل من فرجان وبيوتـات عــوائــل معروفــة كانت ملفى النــاس ومحــالهم ومــلاذ تجمعاتهم ونواخذتهم أشبه بالخرائب أو كالعنابر أو “خان” للعمال الآسيويين حتى لُقّبت بعضها بأسماء من مناطق هؤلاء العمّال فيما المحرقيون ممن بقوا فيها حتى الآن يندبون حظّهم ويشكون حالهم مثلما أن غيرهم من المحرقيين الذين خرجوا منها وودعوا شوارعها وطرقاتها تتفطّر قلوبهم حناناً وشغفاً بها ، وقد تنزل دموع بعضهم من مآقيها حينما يتذكرون دُورهَم ومنازلهم وحين تمرّ بذاكرتهم أطياف سواحلها و”أسيافها ” وعرشانها وحين يطرون ” دواعيسها ” وأزقتها .

سوقنا هذا ، عرفناه منذ صغرنا ببساطة محلاته وكذلك بساطة بضاعته رغم أهميتها ، وبعضها – ربما – لن تجدها في غيره أو بذات أسعاره على الأقل آنذاك . كان شكله جميلاً حتى أنه بقي على حاله أو رمزيته عقوداً لم يتغير فيه شيئاً مع أن عوامل البلى والقِدَم التي تصيب كل شيء لايمكنها أن تقف عنده أو تمتنع من النخر فيه .

في العقد الماضي ، لا أدري في أي عام منه بالتحديد بدأ الحديث عن تطويره ودخل ” سوق القيصرية” ضمن ما اصطلح على تسميته عندنا بالمشروعات الوهمية أو المشروعات المفتوحة الآجال والآماد ، بل ذهبوا بعيداً في الاهتمام به حينما قيل أو تقرر أنه معلم أو مرفق تراثي وثقافي سيكون مشروع تطويره على هذا الأساس وبما يتفق مع هذا التوجه للمحافظة على أشيائنا الماضية والتراثية .

استعنت يوم أمس بصاحبنا الإلكتروني ” جوجل ” للبحث عن عبارة ” تطوير سوق القيصرية ” فأخبرني هذا الصاحب الأمين بعشرات من التصريحات والتوجيهات والزيارات وما شابهها مما رأيت في أحدها تصريحاً عن مشروع تطوير سوق القيصرية يعود تاريخه إلى عام 2008م  ، وبالطبع فيما أعتقد أن الكلام عن هذا التطوير المزعوم يعود تاريخه إلى ما قبل ذلك . لكن في العموم ؛ لو افترضنا أن زمناً قدره أربع سنوات يجري الحديث فيه عن مشروع تطوير سوق لا يتعدّى طوله بضع أمتار وفيه عدد من  المحلات و( الدكاكين ) ربما يُعدّون على أصابع اليد أو قريباً منها، ثم مع ذلك لايجري على الأرض تطويره ، ولايُصار إلى الانتهاء منه بالرغم أن مدّة أربع سنوات كفيلة ببناء مدن وجزر بأكملها ، ثم بعد ذلك تفاجأنا الأخبار الصحفية أن هذا السوق تم تسجيله ( بشكل رسمي ) بأنه مهيأ لحصول كارثة بشرية وتجارية وأن أسقفه قد تنهار و… إلخ .

خلال هذه الأربع سنوات ( مدة الحديث عن تطوير سوق القيصرية ) نظمت الثقافة عدد من المهرجانات وما أسمته بـ ( الربيعات ) أقيمت فيها فعاليات يُراد لنا في البحرين أن نصدّق غصباً عنّا أنها ثقافية دونما أي مراعاة لانتماء وهوية ، بينما هي مسخ ثقافي نتغرّب فيه ليس عن معنى ومفهوم ومقاصد الثقافة الحقيقية فحسب وإنما نميّع أبنائنا وننشر لهم نمط من الرقص والطرب نسميه لهم بأنه هذه ثقافة وليس ( مردحة ) !! استقدمت لها فرق فنية وراقصين ومطربين من الشرق أو الغرب ومن الشمال والجنوب من المؤكد لو أن ميزانيتها أو جزءاً من تكلفتها تم تخصيصها لسوق القيصرية لكانت كافية لإخراج مشروع تطويره من زنازين الأوراق وسجون الأحبار وتحويله من حالته الورقية إلى الحالة الواقعية أو على – على الأقل – إنقاذه من حالة على حافة الانهيار التي تم تسجيلها ( بشكل رسمي ) حسبما طالعتنا به الصحف مؤخراً ، كان يمكن ذلك لولا أن سلّم الأولويات مائل وميزان الصرف والهدْر حالته حاله .

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s