كثيرة هي الأحداث أو القصص التي نسمع عن وقوعها في غير بلداننا العربية والإسلامية فلا نملك أمامها سوى الاستغراب ثم نندب حظوظنا ونشكو حالنا ونتحسّر على عدم حصولها في أوطاننا وكأننا جزء آخر من العالم لاعلاقة لنا بما يحدث هنالك ، ولانتأثر به أو ينوبنا شيء منه أو حتى قريب له .
من ذلك مثلاً ؛ أن الوزراء والمسؤولين هناك يستشعرون ثِقل مهماتهم وأمانة حملها بحسب تكليفهم بالقيام بها وما يُتأمل منهم تحقيقه وهم على رأس مؤسساتهم ، خدمة لبلدانهم وشعوبهم وانطلاقاً – كذلك – من معايير وأسباب اختيارهم لشغل مراكزهم ومناصبهم ، وهي معايير يصعب أن يدخل بينها سبب غير الكفاءة والأهلية . وتبعاً لذلك تكون مؤسساتهم كما الساعة في انضباطها ، وخططها وإنجازاتها تتوالى في القطاعات التي تحت إشرافها ومسؤوليتها ، ويلمس الناس حجم التغيير والتطوير بكل وضوح من غير حاجة للأضواء و( الردح ) و ( الشو ) الإعلامي الذي صار – للأسف الشديد – هذه الأيام من لوازم تغطية الفشل ، ومداراة الإخفاق أو صرف الأنظار عن الحقائق !
الوزراء وكبار المسؤولين في تلك البلدان لايترددون عن تقديم استقالاتهم والخروج بكل طواعية عن مناصبهم والتخلّي عن مراكزهم والتضحية بامتيازاتهم وترك وجاهتها بسبب مواقف مبدئية أصروا على عدم تجاوزها أو لفضائح رأوا أنه لا يصلح معها بقاؤهم في مناصبهم أو لأخطاء أو مخالفات فادحة يصعب تحملها والبقاء على رأس تلك المؤسسات المخطئة أو لفشل سياسات واستراتيجيات ظلوا ( يطنطنون ) عليها سنوات وسنوات قبل أن يكتشفوا عوراتها وخسائرها فلم يكن أمامهم من بدّ من الاستقالة والانسحاب ( بشرف ) وحفظ ماء الوجه.
بل لم يتوقف الأمر في الغرب عند حدّ الاستقالة فحسب ؛ بل تطوّر لدى مسؤولين آخرين إلى الانتحار والهروب من الحياة بأكملها مفضلاً الموت على أن يبقى متهماً أو مشكوكاً في كفاءته أو نزاهته أو إنجازه أو ما شابه ذلك من قيم أخلاقية ومهنية نحن أولى بالعناية بها وإعلائها منهم لولا أن الواقع يعجّ أو يفيض في محيطنا العربي والإسلامي بنماذج تعيش بيننا بلا مواقف أو مباديء ، أخطائها وفضائحها وسرقاتها ( فاحت) وأزكمت روائحها الأنوف ، ولها سقطات لاتُعدّ ولاتُحصى أو عديمة إنجاز أو خسائرها في خانة الملايين من الأموال أو تتمتع بفشل ( كارثي ) في مسكها وتنقلها لملفات هامة وحيوية كان يُفترض نجاحها والنهوض بها لارتباطها بحلحلة وعلاج مشاكل وأزمات في دنيا الناس وسوية معيشتهم ، بل تعدّى الأمر أن يُعلن – أي لا يكون سرّاَ – صفرية الأرباح وهزائم مخزية في مجاراة ومواكبة التطور ، فلا يكون الوزراء والمسؤولين عن كل هذه الـ ( فشليات ) المتعددة والمتنوعة إلاّ كما ( الجبل مايهزّك ريح ) ، لاتحرّك فيهم ساكناً ، ولايستيقظ لهم ضمير ، ولايرف لهم جفن ولايسقط منهم دمع .
قبل حوالي ثلاثة أعوام أقدم وزير الخزانة الأمريكي روبرت ديور على الانتحار علناً ، خلال مؤتمر صحفي دافع فيه عن نفسه بعد اتهامه ببعض قضايا فساد وخيانة أمانة لم يتم القطع فيها ، لكنه رفض أن يُطعن في نزاهته أو أن ينظر إليه الناس بعين الخيانة ولم يتحمّل الإساءة إليه فأطلق على نفسه رصاصة من مسدس كان يحمله أمام الحضور وأمام الكاميرات فمات على الفور .
في الأسبوع قبل الماضي حملت لنا الأنباء أيضاً أن وزير الخدمات المالية الياباني تاداهيرو ماتسوشيتا (73 عاما) قد انتحر قبل يومين من نشر مقال في مجلة ” شوكان شينشو” يُكشف فيه أن الوزير يقيم علاقة عاطفية خارج إطار الزواج فخاف من الفضيحة ولم يتحمّل أن يراه أهله والناس على فضيحته . وكما تعلمون فإن آخرين من المسؤولين في محيط دولنا معروفين بتفاقم ثرواتهم وتضخمها ويُعرفون بين ناسهم وبين موظفيهم بـ ( الحرامية ) أو المرتشين أو أصحاب سهرات ودعارة و… إلخ فلا يؤثر فيهم ذلك شيئاً ولايحرّك على الأقل حياء ، ولانقول استقالة أو انتحار !
ولايبق لنا – بعد ذلك – إلاّ أن نكثر من قراءة وتأمل حالات استقالة أو انتحار الوزراء والمسؤولين من هناك لعلّ الله يخرج من أصلابنا بطلاً أو أبطالاً يتمكنون من كسر الاحتكار الغربي لتلك الصناعة ( المشرّفة ) ويجعلوا منها في بلداننا تصرفاً أخلاقياً وحضارياً والتزاماً أدبياً وأخلاقياً مقبولاً ومفترضاً في أحوال كثيرة للإخفاق والفشل وسوء النتائج وتعدد الفضائح .
عندنا الوزير أو اي مسئول كبير عوضا عن ان يعترف بتقصيره ، ينحر غيره من الموظفين الذين تحت ادارته، فنجد بعض المسئولين اذا تسلم مسئولية جديدة يأتي بحاشيته ويضعهم بمناصب ليسوا أهلا لها، ويقوم بابعاد الموظفين السابقين سواء بفصلهم او احالتهم للتقاعد أو تجميدهم ، لا اختلاف ان المسئول يجب ان يكون منسجم مع فريق عمله ، لكن ليس من حقه ان ينكل بمن سبقه من الموظفين وهم خدموا واخلصوا وكل عيبهم انهم لم ينسجموا مع المسئول الجديد، او لم تعجبه أشكالهم!!!
وسؤالي هل الوزير والمسئول الكبير مسئوليته مطلقة ، بلا رقيب وحسيب ، الا توجد محكمة لكبار المسئولين بالبحرين؟؟؟
إعجابإعجاب