مجموعة من الأفراد ، هم مواطنين من البحرين ، بعضهم يعيش داخل كيانها وآخرين منهم يقيمون خارج حدودها ، قرروا جميعهم خلال هذا الشهر أن يكوّنوا وفداً أهلياً ويلتقوا في العاصمة السويسرية جنيف ، حيث موعد المراجعة الدورية لتقرير البحرين عن حقوق الإنسان من قبل مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة . هؤلاء الأفراد لم يكونوا أشباحاً لا أحد يعرفهم ، ولم يكونوا مجهولي الهوية ، ولم يكونوا ملثمين ، ولم تكتنف سائر تحركاتهم أي نوع من السرية ، لقاءات ومؤتمرات صحفية واجتماعات لاحصر لها ، يواصلون في عملهم الليل بالنهار، من أجل فرض رؤيتهم ونقل وجهة نظر المعارضة وما شابهها من مهام تتعلق باستعداء الخارج على وطنهم ، وهم مطمئنون على الآخِر أن أي فعل أو قول يقومون به في جنيف لن تطاله يد المحاسبة في البحرين حيث أن السبّ والتسقيط والتعدّي على مؤسسات ورموز الدولة أصبح في حكم المباح أو الأعمال التي ليس عليها حساب .
بمعنى آخر أن هذا الوفد الأهلي ، تجمّع ونفّذ مهمته في جنيف على أكمل وجه ، ووفق رضا وقناعة نفترض أن ليس فيها ما يخدش حياءهم أو يثير خجلهم أو ما يحتاجون فيه إلى إخفاء ( فعْلتْهم ) وعدم البوْح بأسمائهم وكذلك عدم نشر صورهم . والدليل أنهم كانوا يلاحقون أضواء الإعلام وقنوات الفضاء ، ويتراكضون خلف الصحف ، بالذات الغربية والأمريكية ، وكانت وسائل التواصل الإلكتروني تعجّ وتضجّ بتغريداتهم ورسائلهم.
بعد انتهاء ( غزوة ) أو ( مهرجان ) جنيف ، وانفض الجمْع منها ؛ قامت إحدى صحفنا المحلية بنشر صور وأسماء الوفد الأهلي الذي قلنا أن مهمته لم تكن سرية وأن أعضاءه لم يكونوا مجهولين ، وليسوا ملثمين أو أشباحاً لا أحد يعرفهم أو لم يراهم أحد . وكنّا نحسب أن نشر أسماءهم وصورهم أمراً عادياً لولا أننا تفاجأنا بأن هذا النشر – لأسماء وصور الوفد الأهلي – قد دخل في خانة الجرائم التي استدعت أن تظهر علينا هيئة شؤون الإعلام – ربما للمرّة الأولى – تتبرأ وتأسف مما وصفته بالتشهير ببعض الأفراد وتدعو الصحافة للالتزام بميثاق الشرف الإعلامي .
وبحسب معلوماتنا المتواضعة فإن التشهير يُقصد به الإعلان عن فعل فاضح كان يُراد له عدم النشر أو أن مرتكبي هذا الفعل تعاهدوا على أن يبقى فعلهم في طي السرّ والكتمان وما شابه ذلك من عناية على عدم فضحه مما نعلم أن الوفد الأهلي – الذي نشرت إحدى صحفنا المحلية صوره وأسماءه – لم يكن حريصاً على سريتها ونعتقد أنه لم يكن يرى في عمله وأفعاله في جنيف ما يشينها أو يعيبها ، فهي ليست لصوصية ولاعلاقة لها بانتهاكات أخلاقية وليست – على الأقل – من خوارم المروءة . أي أنها لم تكن بالنسبة لأعضاء الوفد الأهلي خيانة أو أمراً معيباً حتى يمكن اعتبار نشر أسماءهم وصورهم فضحاً لهم أو تعدّياً عليهم أوتشهيراً بهم !!
وبينما كنّا نحاول فكّ لغز اعتذار هيئة شؤون الإعلام عمّا سمّته ( التشهير ) بأعضاء هذا الوفد الأهلي ومحاولة فهم أسباب هذا ( التأسف ) والتعرّف على خيوط ( الغلط ) في نشر أسماء وصور أشخاص معروفين ومجاهرين ومتفاخرين بكل حماس واندفاع عن ( فعْلتْهم ) في جنيف . بينما كنّا كذلك ؛ تطالعنا الأخبار بتصريح لوزير شئون حقوق الإنسان يقول فيه ” إن حكومة البحرين لا تقبل بأيّ انتهاك لحقوق الإنسان وما يتصل بذلك من ضغوط على الناشطين الحقوقيين أو غيرهم مؤكداً أن ما نُشر في الصحافة المحلية بشأن النشطاء الحقوقيين لايمثل الموقف الرسمي وحكومة البحرين لا ترضى بهذا الأمر تماماً ولا تقره وأنه يتعين على المتضررين اللجوء للقضاء العادل والنزيه لتجريم من يتعرض لهم بما يخالف الدستور أو القانون ” . وأترك للقراء الكرام وضع مايكفيهم من علامات التعجب (!) .
لم يقف الأمر عند هذا الحد فحسب ؛ وإنما مجلس حقوق الإنسان في جنيف يتحفظ على نشر الأسماء والصور لهذا الوفد ( الأهلي ) ويبدي قلقه وخوفه من التشهير بهم إلى درجة أن يجتمع ممثلي حقوق الإنسان في البحرين مع رئيسة مجلس حقوق الانسان للدورة الحالية لبيان ما قامت به الحكومة البحرينية من رفض لأي مضايقات أو تهديدات لهذا الوفد وأن مانُشر لايمثل الحكومة لأن صحافتنا لها إدارات مستقلة ” !
من كثرة الغرائب والعجائب ؛ أصبحنا لانتعب أنفسنا كثيراً في التحليل والتفسير ، وصارت عبارة ( شيء مانشوفه ) هي العبارة الوحيدة المتواجدة عندنا بكل ثقلها .
سانحة :
أناس تحدّوا الدولة وأخذوا في المحافل والاجتماعات الدولية موقف العداء لها ، وأساؤوا لسمعتها وشوّهوا صورتها وأضعفوا هيبتها واستعدوا الآخرين عليها ، لم يمسكهم أحد ولم تطالهم يد المحاسبة ، ولم يجرّمهم أحد . وحينما نُشرت أسماؤهم اعتذرت الدولة لهم ! اللهم ثبّت عقولنا وأفهامنا.