تقول إحدى الأمهات أنها لاحظت على طفلها بوادر ضعف في نظره وعدم دقة في ملاحظة مايراه . انتابها القلق والخوف على بصره لما تمثله العين من أهمية تفوق في غلاها جواهر الدنيا بأجمعها . ولأنها تعرف أن خدمات فحص النظر في المراكز الصحية لا يعتمد عليها أو أنها ليست مقياساً يُعتد به في عرف الناس ؛ قرّرت أخذ طفلها لعيادة استشارية متخصصة في العيون .

بالمصادفة ؛ تزامن قرارها اللجوء إلى الطب الخاص مع موعد استلام الراتب ، فكانت فرصة أن تذهب للعيادة وعلى وجهها نوع من البشاشة والابتسامة التي يعرفها كثرة من البحرينيين في آخر كل شهر ، وهي الابتسامة والبشاشة التي سرعان ماتتناقص كلما مضت أيام الشهر حتى إذا انتصفت أيامه حلّ العبوس وظهرت التجاعيد على الوجوه ، وربما تصبّب العرق منهم !

في العيادة ؛ تقول هذه الأم فحص أحدهم نظر ابني باستخدام بعض العدسات ولوحة اختبار النظر ، ثم قرر وضع بضع قطرات في عيني ابني لتوسيع حدقته . وبعد نصف ساعة من الانتظار دخلنا على الاستشاري الذي كتب لنا رقم العدسة المناسبة . ثم خرجنا إلى ( الكونتر ) الذي طلب منّا (40) دينارأ ، هو قيمة هذا الفحص  ! الأم المسكينة كانت تتوقع أنه في أسوأ الأحوال فإن رسم الدخول لن يتجاوز الـ (20) ديناراً ولم يكن في حسبانها أبداً ضعفه ، (40) ديناراً .

صاحبتنا ( الأم ) أخذت تضرب أخماساً في أسداس ، اصطكت عليها الدنيا ، فراتبها بالكاد يفي بالاحتياجات ، بالكاد يجعلهم على الكفاف ، هي وعائلتها يعملون – وكثيرون غيرهم – ألف حساب للفلس الواحد ، فكل شيء عندهم له قيمته ومخصصه ومساره . وأن أي مصروف طاريء يجعلهم في ( حيص بيص ) . في النهاية اضطرت الأم لأن تدفع هذا الرسم (40) ديناراً وهي تتحسّب على هذا النوع من التجارة أو النهب الطبي الذي بات واضحاً تصاعد تكلفته وقصمه ظهور المواطنين الذين لاحول لهم ولاقوّة ، ودونما رقيب أو حسيب ، أو حتى بديل يناسب فئة واسعة وغالبة في المجتمع يسمونهم ذوي الدخل المحدود والمتوسط ..

وللعلم ؛ ماذكرناه لايخص هذه الأم وحدها ، وليس طب العيون لوحده وإنما عموم الطب الخاص يكاد يتحول إلى تجارة تقصم الظهور .