في زمن سادت فيه الغرائب والعجائب ؛ لابأس أن نرحل بين حين وآخر إلى قصص التاريخ أو قصص الحيوان أو نسترجع شيئاً من أمثال وطرائف الشعوب نستلهم منها العبر والعظات أو نهوّن على أنفسنا مصائبها أو نسلّيها أو نملي عليها وحشتها في هذا الوقت الذي قد يصعب فيه التفكير أو التحليل وفق مقتضيات العقل والمنطق الذي ربما صار أحد أهم الغائبين عن مجريات حياتنا ، بل قد تكون أي محاولة لتثبيت العقل وتنشيط المنطق ضرباً من الخبال فضلاً عن كونها مدعاة لمزيد من الإجهاد والإرهاق .
فقد أصبح المعروف في دنيا الناس بالكذب صادقاً والخائن شريفاً والحرامي أميناً والسفيه مستشاراً والرويبضة (التافه يتكلم في أمر العامة ) مقدّماً ومتصدّراً للصفوف ، وبالتالي لاغرابة – في ظل غياب العقل والمنطق – أن يكون في مواقع صاحب أو أهل الرأي أو البطانة معتوهاً أو سفيهاً أو صفيقاً أو فاسداً ليس للعقل والمنطق نصيباً في عمله إلاّ بما تمليه عليه مصلحته الخاصة في متطلبات قد يكون منها الجاه أو النهب والسلب من ثروات الوطن ومقدّراته حتى لو جاءت على خلاف مصلحة الوطن وأجياله ، في حاضره ومستقبله ، أو حتى لو أضاعت حقوقاً أو أفرزت مظالم ارتفعت بها الأكفّ إلى السماء فتكفّل بالانتقام لها ” من يُمهل ولايُهمل ” .
وبالتالي تكون الفكرة التي تصدر عنه اتباعاً لشهواته وأهوائه الخاصة هي كما الحمار – أعزكم الله – يذهب بها أينما وكيفما شاء وبما تتواءم مع طموحه وتطلعاته ، يطبل لها ويتسلق من خلالها ، لينطبق عليها بالضبط المثل الشعبي المصري ” اربط الحمار مكان ما يعوز صاحبه ” أي بحسب مايريده ويخطط له ، سواء كان هذا المنتج ( الحمار ) تشويهاً أو تطبيلاً أو تهريجاً أو نفاقاً أو مديحاً أوتضليلاً أو تدليساً أو ما شابه ذلك مما لايهمّه في الخلاصة من نتائج ماقدّمه إلاّ ما يرجع على مصالحه من فوائد .. للأسف هذا واقع – ربما – كثرة من الأفكار والبطانات والاستشارات التي قد يجري تقديمها لأصحاب القرار دون أن يعلموا أن مايُقدّم لهم إنما هي مجرّد حمير – أعزكم الله – تم الحرص على وضعها مكان مايعوز صاحبها . ولايحتاج التدليل على ذلك لكثير عناء حيث انتفاخ ( الكروش ) وتضخم الثروات وتعدد العقارات وتنوّع الفلل والسيارات و… إلخ . ونحسب أنه قد آن أوان تغييرها إنقاذاً للأوطان وتماشياً مع مجريات الأحداث وتطوّر الأزمات والاسترشاد بتعاليم جبار السموات والأرض حينما قال تعالى في محكم التنزيل ” إن خير من استأجرت القوي الأمين ” .