من المعروف أن اللحوم والدجاج والأسماك هي من أعمدة الغذاء عندنا في البحرين ، ليس للتوّ ، وإنما عرفها الأجداد وتوارثها الأحفاد حتى كادت أن تكون تلك الأصناف الثلاثة هي الغذاء أو كل الغذاء ( وبس ).
وغالب دول العالم يحظى ما يُسمى بالأمن الغذائي لديها بأولوية تتضاءل أمامها أولويات كثيرة ، ولأجل حماية هذا الأمن تُبذل خطط أو تُعدّ استراتيجيات قصيرة ومتوسطة وطويلة الأجل تضمن استمرارية هذا الأمن على مدار سنوات وسنوات ، وتبعده عن أية أخطار محتملة . بل قد تُنفق الأموال الطائلة لإجراء دراسات ومسوح علمية معمقة لأجل استقرار الأمن الغذائي مع التركيز على أن يكون الاكتفاء محلياً وذاتياً وتقليل الاعتماد على الاستيراد خاصة في تلك المناطق المعرضة لأخطار الحروب والمواجهات المسلّحة وأطماع الطامعين .
وعلى مايبدو فإن غذاؤنا الرئيسي في البحرين قد غابت عنه خطط واستراتيجيات الحماية والتطوير ، وتوجهت غالب أفكار الاستثمار نحو العقار ، اقتطعت مساحات شاسعة من البحار ، تم دفنها وبيعها على هيئة مدن وجزر لاعلاقة لها – كما تعرفون – بحلحلة مشكلة الإسكان في البلد التي تفاقمت عند المواطنين إلى حدود مخيفة نخشى أن نقول أنها بعيدة عن الحلّ في المنظور القريب ، بحيث بلغ عدد المسجلين – لاحظوا المسجلين – على قوائم الانتظار حوالي الـ (50) ألف . وكل الكلام الذي يجري الآن عن مشروعات إسكانية هنا أو هناك إنما يتحدث عن بضع مئات ربما لاتتجاوز الألف الواحد من هذه الخمسين ألف طلب !
وتبعاً لذلك فإن الأسماك ( ثروتنا الغذائية في البحر) قد نزحت عن بحارنا بسبب إهمالنا لتلك البحار وعمليات الدفان الجائرة لها ، وصار البحث عن الأسماك في مناطق بعيدة قد تتعدّى المياه الإقليمية بعدما كان صيدها متاحاً ومتوفراً حتى في السواحل . وبالطبع نتج عن ذلك أن أسعار السمك قد قفزت خلال السنوات القليلة الأخيرة طفرات قياسية لايستطيع ذوي الدخل المحدود – وهم كثرة غالبة – ومعهم ذوي الدخل المتوسط من شرائها أو على الأقل احتسابها كما السابق ضمن غذاؤهم الرئيسي في ظل أوضاع معيشية لا يخفى على أحد مقدار صعوبتها. لايختلف الروبيان عن الأسماك ، فكلاهما تعرّضا لذات الضرر ، بل أصبح الروبيان يُباع منذ عدة سنوات في بضعة أشهر من السنة ، والباقي منها ممنوع صيده .
وإذا انتقلنا إلى الغذاء في البر؛ فإنه طوال عقود من السنوات لم نتمكن من تحقيق اكتفاء ذاتي من اللحوم والدجاج ، بالرغم من صغر مساحة البحرين وقلّة عدد سكانها ! فكان استيراد اللحوم الاسترالية هو الحلّ الذي لايتزحزح على مدار العقود الماضية . وغالبنا يأكله مرغماً لعدم توفر البديل أو لارتفاع سعر البدائل الأخرى ، فهذا اللحم يكاد يكون بلاطعم ، وتشعر بالفرق إلى درجة ( التحسّف ) حينما تأكل لحوم من دول الجوار .
حاجة الناس وحدها هي التي جعلتهم يقتنعون أن مايُقدّم لهم هو لحم بالفعل ! غير أن دوام الحال من المحال ، فقد ظهرت خلال الشهور القليلة الماضية أخبار تداولها المواطنون والمقيمون عن لحوم فاسدة ومريضة وموبوءة ، زادت من سوءه . وبعيداً عن التفاصيل ؛ فقد أعرض الناس عن شرائها خوفاً من العدوى وفقداً للثقة في بائعيها وفاحصيها والمشرفين عليها . وتبعاً لذلك فقد انتكس العنصر الغذائي الرئيسي الثاني بالنسبة لنا ، إذ كانت النكسة الأولى من نصيب الأسماك .
أخيراً ؛ جاء دور الدجاج ومخرجاته ( البيض ) ، للأسف فإن اعتماداً ليس قليلاً من قبلنا على هذا الغذاء الهام كنّا نتحصّل عليه من الشقيقة الكبرى ، السعودية ، التي ارتأت – وهو من حقها – تلبية لطبات مواطنيها وتحقيقاً للاكتفاء الذاتي عندها أن توقف تصدير دجاجها . وأترك لكم معرفة الباقي أو يمكنكم معاينة حال الدجاج والبيض في أسواقنا .
سانحة :
أمارس التجاهل في حياتي كثيراً لأن اهتمامي لا أمنحه إلا لمن يستحقه ..