راصد

العيال كبرت

هو عنوان مسرحية كوميدية مصرية  ، كان أول عرض لها بدأ في عام 1979 ، واكتسبت شهرة واسعة لازلنا نستمتع بمرحها وفكاهتها كلما سنحت الفرصة لتكرار رؤية فصولها ومشاهدها التي رغم غرقها في الكوميديا إلاّ أنها صارت تمثّل لعموم مشاهديها معنى أو مغزى أو لفتاً للانتباه تجاه كثرة من تصرفاتنا وسياساتنا مفادها أن الصغار لن يبقوا صغاراً للأبد ، وعلينا أن نفهم ذلك ونعيه جيداً لأنها من سنن الكون التي يجب ألاّ تغيب عن بالنا .

تدور فكرة المسرحية داخل أسرة واحدة ، اهتمّ والدهم ( رمضان السكري ) بأبنائه ( سلطان وكمال وعاطف وسحر) من حيث المأكل والمشرب والملبس لكنه أهمل تربيتهم واستهتر بمستقبلهم وقلّل من شأنهم ونسى احتياجاتهم الحقيقية حتى انغمسوا في حياة اللهو والتسكّع ، وأصبحوا زبائن في المقاهي والمراقص ، وصار الفشل أو الرسوب يلاحقهم في مقاعد الدراسة دون أن يحرّك هذا الحال ساكناً لدى والدهم ( رمضان السكّري ) الذي وجد في صغر سنّهم فرصة سانحة لخداعهم أو الكذب عليهم فانشغل بملذاته ومغامراته ظناً منه أن هؤلاء العيال ( أبنائه ) لن يكبروا ، وتبعاً لهذا الظن فإنه ليس مطلوباً منه أن يوقف فساده ويمتنع عن سهراته وسفراته و… إلخ .

ثم تمضي الأيام ، ويكبر الصغار ويتعرّفوا على فساد والدهم وسوء رعايته لهم وتقصيره في حقهم ، ثم يكتشفوا عزمه على الهروب مع عشيقته ، فيقرروا التصدّي لمشروعه بمواقف وأساليب لاتخلو من الفكاهة التي تطلبها النص المسرحي لكنها – مسرحية العيال كبرت – مضت مثالاً واضحاً جرى استدعائه بقوّة في حياة غالب المجتمعات العربية والإسلامية بعد ثورات الربيع العربي في عدد من تلك البلدان على أنظمة الحكم فيها ، ممن استبدّت في طغيانها وتمادت في فسادها ، ودمّرت تطلعات شعوبها وزوّرت إرادتهم واستبدّت بحرياتهم وعبثت بمدخراتهم ولعبت بثرواتهم . واستمرّت على هذا المنوال عقوداً من الزمان ، تظنّ مثلما ظنّ ( رمضان السكري ) أن العيال لن يكبروا ، ولن يفهموا مايدور من حولهم فأهملتهم من حساباتها وأسقطتهم من وارد اهتماماتها باعتبارهم مجرّد عيال ، تأكل وتشرب وتلبس وتنام ، وفقط . قبل أن يجري على أيدي هؤلاء ( العيال ) طوفان يغير الوعي الجمعي لدى الجماهير ويصرخ في الملأ : لقد هرٍمْنا ..

في عصر تقاربت فيه المسافات وتداخلت الشعوب وصارت ( الميديا ) والاتصالات ركناً أساسياً في حياة الأمم ، وأصبحت الحقائق والمعلومات أمراً مشاعاً لاتقلّ في توفرها ووضوحها عن الشمس في بارقة النهار ؛ لاينبغي الاستمرار في التعامل مع ( العيال ) بأنهم مجرّد ( عيال ) صغار لن يكبروا .

سانحة :

ولأن ( العيال ) كبروا ، فإن غالب الآباء والأمهات الآن قد تركوا مسألة برمجة وتضبيط هواتفهم وحواسيبهم الشخصية بما فيها من برامج ووسائل تواصل واتصال ، لاحصر لها ، لهؤلاء الأبناء الذين باتوا يعرفون كل صغيرة وكبيرة في هذه الأجهزة !

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s