تابع العالم يوم الاثنين الماضي حدثاً أو مغامرة تاريخية استحوذت على جلّ الاهتمام ، شاهد الكبار والصغار تفاصيلها على مختلف الفضائيات على الهواء مباشرة ، تم تسميتها بالسقوط الحر من حدود الفضاء الخارجي حيث قام المغامر النمساوي فيليكس بوغمارتنر بالقفز من منطاد من حدود الفضاء الخارجي عن ارتفاع يزيد عن (39) كم ليسجل رقماً قياسياً وحدثاً لم يسبقه أحد إليه مضيفاً إلى تاريخه أرقاماً قياسية أخرى كان يحرص على تحقيقها والتميز بها .
فيليكس بوغمارتنر رائد فضاء وقافز مظلات نمساوي من مواليد عام 1969 ربما لم يتوقع أن يكتسب من مغامرته كل هذه الشهرة أو لم يكن يتوقع أن ملايين الناس كانت تشاهد قفزته التاريخية على هذا النحو الذي – من المرجح – أن يبقى الإعجاب به حديث الناس لعدّة أيام وأسابيع .
غير أن فيليكس بالتأكيد لم يدر في باله أنه سيكون مادة للتندّر و( النكتة ) في عدد من بلداننا العربية والإسلامية التي يُطلق عليها تسميات من مثل دول العالم الثالث أو الدول النامية أو ماشابهها من تسميات مؤدبة كبديل مخفف عن مسمى ( الدول المتخلفة ) . حيث انطلقت في بلداننا من اليوم التالي لمغامرته صور و( نكت ) تظهر ما يمكن أن يكون عندنا ندّاً أو مشابهاً لهذا الـ ( فيليكس ) ، بعضها – النكت والصور – متعوب عليها ، بحثاً ومونتاج ، لا يمكنك أن تراها دون أن تضحك .
هذه ( النكت ) وحالة التندّر ليس بالضرورة أن تكون حالة عابرة تتعلق بالحدث نفسه وإنما هي صورة من صور التعبير والتنفيس عن الإحباط . وهي بالمناسبة ظاهرة صارت تتزايد عندنا وتحتل مراتب متقدّمة عند كثرة من البحرينيين بعدما كانت أو كادت أن تكون حكراً على أحد الشعوب العربية الشقيقة .
في أحاديث وتعليقات الناس يتناقلون أسئلة من مثل ( ماذا لو كان فيليكس بحريني ) غالب ما قرأته من إجابات كانت تضحك أو أن تجعل ذلك في عداد المستحيل وأكثرها إيلاماً هو من يقول أن العناية بالعلوم والفضاء ليس في وارد الاهتمام والتشجيع وأن هنالك مجالات أخرى سلبت موارد الدعم والمكافأة بحيث أن أبناءنا اليوم تنوّعت قدواتهم ومن يحتذون بهم أو يحفظون صورهم وسيرهم بين فنانين وممثلين ورياضيين وما شابههم بينما توارى من اهتمامهم العلماء والمخترعين والمبدعين لالشيء سوى أن دولنا – وليست البحرين فقط – قد قرّبت ودعمت وكافأت وربما أغدقت على الفئة الأولى وضاعت الفئة الثانية عن مقدّمة الحضور وتصدّر الصفوف .
بعض الأبناء ، وهم يدرسون بالجامعات ، ينهلون أفضل العلوم ، يرنون للتفوق ويتوقون للتميز ، يبذلون من جهودهم ومن غالي سني حياتهم ، في تلك الأثناء يتذكرون ( سالفة ) السلّم المائل للاهتمام ويرون من حولهم مناصب وأصحاب قرار ومراكز عامة بلا مؤهلات ولا خبرات ( ميح ) فيدبّ إلى عزيمة هؤلاء المجدّين الإحباط واليأس الذي يفضي بالطبع إلى أن تكون المغامرة العلمية لرائد الفضاء النمساوي فيليكس بوغمارتنر مجالاً للتندّر و ( النكات ) وقبل ذلك لندب النفس والحال . وغداً نكمل .
سانحة :
من الكلام الذي قاله فيليكس بوغمارتنر بعد الانتهاء من مغامرته التاريخية والقياسية “عندما نقف هناك عند قمة العالم ، نشعر بتواضع كبير، وكل ما نتمناه هو العودة أحياء ، أحياناً علينا أن نصعد عالياً جداً لندرك كم أننا صغار”