راصد

فيليكس وأساتذة جامعة البحرين

ومادمنا قد تكلمنا يوم أمس عن المغامرة العلمية الجريئة لرائد الفضاء النمساوي فيليكس بوغمارتنر ، وتطرقنا إلى مسألة السلّم المائل للاهتمامات والأولويات ، وهو السلّم الذي أفضى لأن تكون مثل هذه الاكتشافات والمغامرات العلمية عندنا محلّها التندّر و( التمسخر ) . وحتى أثبت لكم أن مكانة العلم وأهله لاتحظى – في أحسن أحوالها – بالاهتمام الواجب ؛ فإني أعرّج لكم بنموذج قضية زيادة رواتب أساتذة جامعة البحرين .

جامعة البحرين ، هي جامعتنا الوطنية الوحيدة ، وتبعاً لذلك فإنه من المفترض أن تكون الحاضنة الأولى لكفاءاتنا الوطنية من حملة المؤهلات العلمية العالية ، ومركزاً هاماً لجذبهم واستقطابهم والاستفادة من عطائهم في مهنة التدريس الأكاديمي والمساهمة والإسناد البحثي والعلمي لمشروعات الدولة وخططها واستراتيجياتها .

للأستاذ الجامعي في مختلف دول العالم المتقدمة منزلة ومكانة ، وتسهيلات وامتيازات ، تسعى في مجموعها إلى أمرين : أولهما : المحافظة على بقاء عطائه في حدود دولته وتقليل سبل استقطابه لخارجها . وثانيهما : تجويد عطائه وتفريغ ذهنه من أية تبعات ومشكلات تأثر في صفاء هذا العطاء وزخمه . بل في كثير من بلدان العالم لايتم تحديد سن للتقاعد بالنسبة لأساتذة الجامعات . وفي تلك الدول ( المتقدّمة ) يُستفاد من أساتذة الجامعات في إدارة الدولة وحوكمتها ، فيكون من هؤلاء الأساتذة وزراء ومستشارين ومشرّعين و… إلى آخره مما ينعكس على تطوّر تلك الدول وتقدّمها .

غير أن واقع الحال في جامعة الوطنية يقول غير ذلك ؛ فجامعة البحرين ، وبسبب الرواتب الحالية ؛ لم تعد هي المكان الذي يستقطب الكفاءات البحرينية فضلاً عن الكفاءات الخارجية للانضمام إلى هيئاتها الأكاديمية . لن نتكلّم عن الذين تسرّبوا أو – ربما – هربوا إلى القطاع الحكومي أو القطاع الخاص أو إلى التقاعد المبكر أو غيرها من المجالات . كما أن كثرة من المتميزين والمتفوقين وممن ينالون درجات الامتياز والشرف بين أقرانهم في جامعات عريقة لا يروق لهم الانضمام إلى جامعتنا الوطنية بعدما عرفوا أن ما سوف يتقاضونه من راتب وظيفتهم كأساتذة في جامعة البحرين لا يتناسب مع تكاليف الحياة المعيشية ومصاعبها ، ولا يتناسب مع المكانة الاجتماعية المرموقة المفترضة للأستاذ الجامعي ، ولا يتناسب مع ما كانوا يتمنونه أو يطمحون إليـه من تقدير  يتوازى مع تأهيلهم ودراسـتهم التي أمضوا فيها ما يقارب عدة عقود ، هي أجمل سني حياتهم وأفضلها حتى نالوا أعلى الشهادات الجامعية ليعودوا للعطاء برواتب هي ربما أقل من مستويات وظيفية معينة في أية جهة حكومية لم يتعب شاغلوها مثلهم ( ناهيكم عن القطاع الخاص ) .

في العام الماضي تم الإعلان في الدولة عن زيادات في الرواتب ، طالت مختلف شرائح العاملين في القطاع الحكومي لكنها وقفت عند أساتذة جامعة البحرين فاستثنتهم منها ، ومضى على هذا الاستثناء حوالي عام كامل – أو أكثر – صار موضوع زيادة رواتبهم مثل كرة الثلج التي تتدحرج بين عدّة جهات رسمية ترفض كل منها تحمّل مسؤوليتها . وأصبح أساتذة الجامعة الذين نفترض أنهم لا يُشغلون بمسائل بسيطة مثل زيادة رواتبهم ؛ أصبحوا كأنهم يتسوّلونها . بيما يُفترض أنها تُقدّم لهم تكريماً وتقديراً وتشجيعاً ودعماً وحفظاً ، تُقدّم لهم بدون سؤال لولا أن واقع الحال هو أننا نعيش تحت طائلة إفرازات السلم المائل للاهتمامات والأولويات الذي أسقط نخب المجتمع من ميزانه .

سانحة :

 يقولون أن مبلغ الزيادة المطلوبة لأساتذة الجامعة ، جامعتنا الوطنية يُقدّر بحوالي مليون ونصف دينار ، تصوّروا مليون ونصف دينار فقط . ومع ذلك يُبخل عليهم بها في الوقت الذي تُصرف فيه بالملايين وأضعاف هذا المبلغ على مشروعات وشركات فاشلة صارت خسائرها تُحسب بالملايين !!

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s