ارتبطت تسمية ( الموضة ) في الذهن العربي بممارسات – مادية أو معنوية – قادمة في الغالب من ديار الغرب والفرنج ، يجري تبنيها وتقليدها وأحياناً كثيرة التفاخر بها كدلالة على تحضّر صاحبها أو رقيّه – بالطبع بحسب اعتقاده وقناعته – حتى لو كانت هذه ( الموضة ) تتعلق بلباسه أو لغته أو ( لهجته ولكنته ) أو تسريحة وقصّة شعره أو ساعة معصمه أو نظارته أو حتى نوع سيجارته . بعض الضعفاء أو المخدوعين بالفارس الغربي أو الذين يعانون من كثرة الفراغ وضياع البوصلة يشغلون جلّ أوقاتهم واهتماماتهم بالبحث عن هذه الـ (موضة ) وقد ينفقون أموالاً طائلة من أجل أن يتواكبوا معها ولا يفوتهم شيئاً منها ، خاصة وأنهم يعتقدون فيها دليلاً على ( جنتليتهم ).
لسبب أو أسباب ما ؛ ارتبطت ( الموضة ) في الذهن العربي بالشكليات أو القشور أو أو السطحية أو ربما بتوافه الأمور حتى أنها صارت في كثير من الأوقات لها دلالة على مقدار التبعية والانهزامية للفرنج وتمنى العقلاء أن يجري تقليدهم أو مجاراتهم في نواحي علمية ومجتمعية وسلوكية تعود بالنفع على الإنسان العربي أكثر من هذه الأشياء البسيطة التي تبهر بعض السذج وتجعلهم يسايرونها باعتبارها تقدّماً وتطوّراً فيما هي في حقيقتها ونهاياتها شيئاً يثير الاشمئزار ويدعو للشفقة .
ولأن الأشياء تتطوّر بفعل تراكمها أو تقدّم الزمن فإن ( الموضة ) باتت تأخذ لها أشكالاً وصوراً أخرى في أيامنا الحالية . صحيح أنها عند التحليل لم تخرج عن إطار ( توافه الأمور ) لكنها حققت انتقالاً نوعياً أحسب أن بلداننا العربية والإسلامية انخدعت به فانخرطت في ( موضته ) طواعية أو مدفوعة بحكم التغييرات والتطورات – على الأقل – السياسية في ربوع بلدانها .
( الموضة ) التي أقصدها هنا هي ركوب موجة حقوق الإنسان . ففجأة ؛ وعلى غير موعد ظهرت وزارات ومؤسسات وجمعيات ولجان ومراكز ونشطاء و… إلخ ، كلهم يتكلمون عن حقوق الإنسان ويتفاخرون بمعرفة أو حفظهم كلمتين أو عبارتين من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ويتباهون بها أمام الآخرين ظنّاً منهم أنها تجعل منهم أكثر تحضّراً أو أكثر حظوة أوشهرة ، مفردات كثيرة صارت – فجأة – في قواميسهم وعلى ألسنتهم مثل الحريات الشخصية والمدنية والدينية قد أجزم أن بعضهم لا يعرف ( راسها من كرياسها ) ومع ذلك يستخدمها ويتكلّم عنها لالشيء سوى أنها ( موضة ) هذه الأيام .
يفوت على كثير من اللاهثين والراكبين هذه الموجة من ( الموضة ) أن ديننا الإسلامي قد سبق بعدّة قرون الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي صدر في أربعينيات القرن الماضي ، ونظّمت تعاليمه العظيمة حقوق البشر وواجباتهم وأعلت من كرامتهم ورفعت مكانتهم وحرّمت الاعتداء على النفس البشرية أو تعذيبها ووضعت للإنسانية مواثيق وعهود فاقت في سموّها وعلوّها القراطيس البالية للأمريكان والأوروبيين الذين يبيعون علينا هذه الأيام بضاعة فاسدة عن حقوق الإنسان لا يمكن أن نصدّق أنهم فعلاً دعاة إصلاح وحمائم سلام ورسل رحمة يتملكهم القلق على هذه المعاني والحقوق في بلداننا وينتابهم الشعور بالخوف على الديمقراطية أو الحريات المدنية والدينية بينما ممارساتهم وأفعالهم تثبت مدى زيفها ، وأن هذه البضاعة الكاسدة ليست سوى غطاء يتسترون من خلاله للتدخل في شؤون الدول ، ولنيل مآرب أخرى لا علاقة لها إطلاقاً بديمقراطية وحرية وسلامة وحقوق الإنسان ، ولا سواد عيونه لولا أن نمط حياة الموضة عندنا يقتضي تصغير أنفسنا ونسيان موروثاتنا والتسليم للتوافه التي يبعث بها إلينا الفرنج دون أن ينبري لهم رجل رشيد فيصرخ في وجوههم أنه لدينا من تعاليم ديننا الحنيف وقيمنا وعاداتنا ما يغنينا عن مواثيقكم وعهودكم ، والأولى لكم أن تبحثوا عن مصداقيتكم تجاهها في بلدانكم أو في مواقفكم و(خزيكم) في العراق أو فلسطين أو سوريا أو السودان أو أفغانستان أو غوانتنامو .
سانحة :
من غرائب المواقف والمباديء في جمهورية مصر الشقيقة هذه الأيام أن تسمع أصواتاً تبكي على حريات الشعب وتنعي الأمانة والنزاهة وترفض الديكتاتورية وتدافع عن استقلال القضاء رغم أنها كانت تشرف – أو ساكتة وراضية – لعدّة عقود في عهد الرئيس المخلوع على تأليف وإعداد سيناريو وإجازة واعتماد مسرحيات كثيرة تقمع هذا الشعب نفسه وتحطّ من كرامته وتشوّه خياراته وتزوّر إرادته ، كان أشهر هذه المسرحيات ( المقرفة ) نتائج الانتخابات الرئاسية والنيابية التي تكون نسبتها (99,99%) .. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى : إذا لم تستح فاصنع ما شئت ) .