يُقال : إذا أردت أن تختبر مصداقية فرد أو رمز أو سلطة أو جماعة أو أي جهة ؛ فما عليك إلاّ أن تختار مبدأ معيناً وتراقب مدى تطبيقه في عدة مواقف وقضايا يستلزم لإثبات المصداقية وتجاوز امتحانها بنجاح الصمود على ذات المبدأ .
ولذلك كان أمراً يحزّ في النفس تناقض أو تضارب المواقف فيما يحصل في جمهورية مصر الحبيبة هذه الأيام وحجم التنازل الكبير عن المصداقية لدى أولئك الذين ملئوا الدنيا صراخاً عن ألفاظ ومصطلحات كانوا يعلون من شأنها حتى ظننا أنهم يقدّسونها تتعلق بالحريات والديمقراطية وصناديق الاقتراع وما شابه ذلك من أدوات استفتاء أو انتخاب قبل أن ينكشف ستر الله عليهم فتظهر للعيان فداحة أو فضيحة توجهاتهم العلمانية والليبرالية ومآل مصداقيتهم حينما تتعارض مع رغباتهم وطموحاتهم . ومن يتابع إعلامهم وصحفهم ، سواء داخل مصر العزيزة أو خارجها يدرك أنه زمن الفرز والتمحيص ، وأنه أوان الكشف عن الحقائق بلا رتوش.
الحقيقة التي باتت واضحة لمن يبحث عنها هي أن مايجري هناك هو باختصار مقاومة مشروع إسلامي للحكم ، اختاره الشعب واكتسب شرعيته من خلال صناديق اقتراع لم تعحب الآخرين نتيجته ( الديمقراطية ) فأراد الانقلاب على تلك النتيجة بأساليب ووسائل وأسباب يحاول جاهداً التعلّق بها بينما هي ستار يتخفون من ورائه لمحاربة أو عرقلة المشروع الإسلامي .
لايحتاج أي متابع لكثير جهد حتى يجري اختبار المصداقية على هؤلاء النفر الذين توحدوا وتجمعوا من مشارب شتى حيث يكفينا بعض الأمثلة ، منها : أنه في عام 1980 جرى استفتاء في مصر نفسها على إقرار تعديل المادة (77) من الدستور المصري ، وكان نص هذا التعديل هو” مدة الرئاسة ست سنوات ميلادية تبدأ من تاريخ إعلان نتيجة الاستفتاء، ويجوز إعادة انتخاب رئيس الجمهورية لمدد أخرى ” . بمعنى أن هذا التعديل أعطى الرئيس المخلوع الرئاسة مدى الحياة !! ثم في عام 2007 جرى استفتاء آخر على تعديل المادة (76) من الدستور المصري ، وهو التعديل المشهور بتوريث رئاسة الجمهورية . للأسف الشديد أن الاستفتاءين رغم فجاجة التعديلات ومخالفتها للمباديء التي يعلنونها اليوم – ناهيكم عن النتيجة العرمرمية المعروفة (99.99%) – لم تلق آنذاك الاعتراضات الحالية ، ولم يقاطعها القضاة ، ولم تعلن أنديتها رفضها الإشراف على عمليات الاستفتاء ولم ينظم أي منهم مظاهرات أو مؤتمرات صحافية أو يدبلج بيانات وتصريحات عن الاستقلالية أو النزاهة أو .. . إلخ ! وكان الصمت عنوانهم .
بل أنه حتى في أوج ثورة 25 يناير التي أطاحت بالرئيس مبارك ؛ كان يُفترض أن الرئيس المخلوع يعطي الرئاسة لرئيس مجلس الشعب أو رئيس المحكمة الدستورية بحسب نص المادة (84) من الدستور المصري التي تنص على : ” فى حالة خلو منصب رئيس الجمهورية أو عجزه الدائم عن العمل يتولى الرئاسة مؤقتا رئيس مجلس الشعب ، واذا كان المجلس منحلا حل محله رئيس المحكمة الدستورية العليا ” لكنه – الرئيس المخلوع – سلّمها للمجلس العسكري ، بدون أي سند دستوري أو قانوني ، أي بالمخالفة الواضحة لصريح النص الدستوري . ومع ذلك لم تعترض المحكمة الدستورية ، ولم تعلق أعمالها ، ولم تملأ الدنيا مؤتمرات ضجيجاً وتحفظاً ورفضاَ ، هي ومن ترونهم هذه الأيام . في الواقع أحاول أن أتفهم أو أقنع نفسي بأن هنالك اعتراضات مخلصة وجدية يرفعها العلمانيون والليبراليون ويتبنونها لولا أنهم لم يستطيعوا النجاح في اختبار المصداقية الذي ذكرته في بداية المقال .
سانحة :
يقول تعالى في سورة آل عمران ” ماكان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب ” .