ثورات الربيع العربي كشفت الكثير من الأقنعة وعرّت الأنظمة العربية أمام شعوبها وفضحت أسرار وخيانات وأحجام كبيرة من أرتال الفساد ، ليس المالي فحسب وإنما الفساد السياسي والقيمي وما شابهها من أنواع ذلّ وهوان وتخاذل وبيع للضمائر والذمم ماكان لها أن تخرج للعلن لولا هذا الربيع العربي الذي فاجأ العالم إلى درجة أن يقول عنه في نهاية عام 2011م عرّاب السياسة الصهيونية وبطل مذابحها ورئيس وزرائها بنيامين نتنياهو ” أن أفضل خبراء الاستخبارات ووكالاتها لم يتوقعوا ما حدث ، وغير قادرين على القول كيف سينتهي هذا الضجيج ” . بل إن بنيامين بن إليعايزر، النائب في الكنيست الصهيوني قال آنذاك أيضاً محذراً بالذات من سيطرة الإخوان المسلمين على الحكم في مصر ” “نحن نمر بزلزال ، ولا أرى تراجعاً في قوته ” .
وأحسب أن من أكبر ثمار هذه الثورات الربيعية هي تعرية خدع وأكذوبات ظللنا منذ نعومة أظفارنا نعتقد بها ، أهمها دول المواجهة مع العدو الصهيوني التي تحوّل اسمها فيما بعد إلى دول الممانعة ولقبها بعضهم دول خط الدفاع الأول عن الأمة العربية والإسلامية قبل أن يكشف الربيع العربي فضائحهم وخزيهم ، ويثبت مقدار التهريج الذي كانوا يروّجون له بشأن مواجهتهم أو ممانعتهم أو غير ذلك من مسميات تبين – للأسف الشديد – عكسها تماماً ، فهم كانوا حماة وجود هذا الكيان الصهيوني وسرّ بقائه وتأمين سلامته من أية أخطار حتى أن رئيس الهيئة الأمنية والسياسية بوزارة الدفاع الصهيونية عاموس جلعاد قال في 14 نوفمبر 2011م” إن سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد سيترتب عليه حدوث كارثة تقضي على إسرائيل، مشيراً إلى أن بديل الأسد ولادة إمبراطورية إسلامية في منطقة الشرق الأوسط في مصر والأردن وسوريا” وأضاف ” إن إسرائيل ستواجه كارثة وستصبح مهددة دائماً بالحرب مع الإخوان المسلمين ، إذا نجحت الثورة السورية في الإطاحة بنظام الأسد، الذي يمثل وجوده مصلحة لإسرائيل “. – ركزوا على عبارة ” يمثل وجوده مصلحة لإسرائيل ” !!
يكفي لمعرفة الفرق – مثلاً – أنه في إبّان الغزو الصهيوني لقطاع غزة عام 2008م ، وبينما كانت الصواريخ والطائرات الحربية تفتك بالفلسطينيين المحاصرين وتدكّ مدنهم ومخيماتهم ؛ منع – آنذاك – النظام المخلوع فتح معبر رفح ، ومنع دخول المساعدات الإنسانية لهم ، بل وخرج السيد أحمد أبو الغيط وزير الخارجية المصري الأسبق ليحذّر الفلسطينيين من اجتياز المعبر قائلاً ” سنكسر أرجل الذين يجتازونه ” !! وهو الموقف الذي اختلف بعد الربيع العربي الآن ، عندما كرّر الصهاينة عدوانهم على قطاع غزة حيث فتحت مصر معبر رفح ، وقام رئيس وزرائها السيد هشام قنديل بزيارة القطاع أثناء العدوان والقصف معلناً الدعم والتضامن ، ياللمفارقة ..
على أن الخوف الصهيوني من تبعات ثورات الربيع العربي لم يتوقف ، وربما أي متابعة لتصريحات المسؤولين فيها سيدرك أن نوعاً من الهستيريا قد أصابتهم وأفزعتهم . فرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو دعا في سبتمبر 2011م إلى إنشاء صندوق مالي عالمي يتولى دعم خصوم الإسلاميين ووقف تقدمهم في الشرق الأوسط . وفي سبتمبر هذا العام 2012 تجاوز نتنياهو ، وربما خرج عن طوره حينما شنّ حرباً كلامية حذّر فيها “المسلمين المتطرفين الذين يظنون أن رسولهم سيعود وسيسود إسلامهم المتطرف هذا العالم والشرق الأوسط كله”.
وبالتالي إن أي قراءة بسيطة للأحداث الجارية في عواصم ثورات الربيع العربي ، بالأخص في سوريا ومصر سيلمس ( كومة قذرة ) من التواطأ الصهيوني والعربي والدولي لإجهاض أي نجاح للثورات الربيعية ، ومن أراد اكتشاف سرّ بقاء النظام السوري حتى الآن رغم الدمار الهائل وشلالات الدماء والشهداء الذين قضوا بعشرات الآلاف ؛ ماعليه إلاّ أن يرجع السبب إلى هذه الـ ( كومة ) القذرة .
سانحة :
افتتح هذا الـ (بنيامين نتنياهو ) أواخر الأسبوع الماضي حملته الانتخابية ، أمام حشد من جماهيره ، فقال : “إن وصول الإسلام المتشدد إلى السلطة في المنطقة يشكل تحديا كبيرا لإسرائيل ، وإن الأنظمة في المنطقة تتساقط الواحد تلو الآخر تحت ضغط الإسلاميين مما يبعث اليأس في نفوس بعض الإسرائيليين ” .