ماتمخض عن ثورات الربيع العربي من تغييرات في بعض أنظمة الحكم العربية أدخلت الكثيرين في ( حيص بيص ) . فالأنظمة الجديدة التي تولدت عن هذه الثورات جاءت من خلال انتخابات نادرة في مستوى إجراءاتها مثلما هي نادرة في نزاهتها وشفافيتها فضلاً عن أنها كادت أن تكون في حكم الانقراض في عموم دولنا العربية ، الأمر نفسه انطبق على باقي انتخابات مؤسساتها واستفتاءاتها على دساتيرها ، بحيث أنها لم تترك مأخذاً لأحد – مهما حاول – أن يجد مطعناً بشأن مقدار شفافية ديمقراطيتها واستجابتها لنتائج صناديق الاقتراع التي كشفت أنه متى ما كانت صناعة تلك الصناديق ورعايتها تتسم بالنظافة والطهارة كلما جاءت نتائجها معبرة بصدق عن واقع وخيارات الناس .
وتبعاً لذلك فإن محاربة نتائج تلك الثورات أخذت منحى آخر لايتعلق بممارسات الديمقراطية أو الثوابت القانونية والدستورية والانتخابية ؛ بل خرجوا علينا بمصطلحات جديدة غامضة في مراميها ومقاصدها لعلّ أهمها خطر ” الدولة الدينية ” أو ” أسلمة الدولة ” أو ” أخونة الدولة ” في حال الكلام عن سيطرة الإخوان المسلمين أو ” الدولة الأصولية ” في حال سيطرة السلفيين .
بالنسبة لمصر الجديدة فإن محاربتها بلغت حدّ الهستيريا من داخلها وخارجها ، فالقرار هو إفشال المشروع الإسلامي بأي ثمن ، ومهما كانت التضحيات ، حتى لو جاءت على حساب الشعب المصري بمحاصرته اقتصادياً والكلام عن إفلاسه وتركيعه . وذلك مثلما تم التضحية بحوالي (60) ألف شهيد حتى الآن من أبناء الشعب السوري لالشيء سوى الخوف ممن سيمسك الحكم بعد سقوط نظام بشار الأسد . ولعلّ خير من عبّر عن ذلك هو رئيس الهيئة الأمنية والسياسية بوزارة الدفاع الصهيونية عاموس جلعاد ، الذي لديه تصريح مشهور في 14 نوفمبر 2011م ، قال فيه ” إن سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد سيترتب عليه حدوث كارثة تقضي على إسرائيل، مشيراً إلى أن بديل الأسد ولادة إمبراطورية إسلامية في منطقة الشرق الأوسط في مصر والأردن وسوريا” وأضاف ” إن إسرائيل ستواجه كارثة وستصبح مهددة دائماً بالحرب مع الإخوان المسلمين ، إذا نجحت الثورة السورية في الإطاحة بنظام الأسد، الذي يمثل وجوده مصلحة لإسرائيل “.
وبعيداً عن فجاجة وهوس محاربة النظام المصري الجديد باستخدام كل الوسائل الممكنة وغير الممكنة ، المنطقية وغير المنطقية ، الأخلاقية وغير الأخلاقية ، بعيداً عن كل ذلك فإن من يتابع تزايد استخدام مصطلح الدولة الدينية هذه الأيام سيُخيّل إليه إنها تعني سنوات عجاف صعاب قادمة يتضاعف فيها العجز ، ويتكاثر الفقر ، ويتفاقم العوز ، وما إلى ذلك من تبِعات اختيار الشعب المصري لأن تكون دولتهم دينية ، بالطبع بحسب ادعاءاتهم !
غير أن حقيقة خوف الكثيرين من هؤلاء لايتعلق بخوفهم على رفاهية المصريين وتطوّر دولتهم ونمائها فهم يعرفون جيداً من ( أوقف حالها ) ونهب مقدّرات الدولة وثرواتها على مدار عقود وعقود مما لايعلم به إلاّ الله ، ويعرفون من الذي ضيّع وأضاع البلاد والعباد . في الواقع حقيقة هذا الخوف والعناوين المرعبة عن ” أسلمة ” أو ” أخونة ” إنما يرجع أكثر ما يرجع – إذا استثنينا الفزعين على الكراسي والعروش – إلى خوفهم على مصالحهم وعلى ما يسمونه من حريات شخصية يقصدون بها الرخص والابتذال والتفسخ والانحلال ، وماتدرّه تلك المحرّمات على هيئة أموال تنتفخ بها ( كروش ) البعض وتتغوّل أرباحهم وتتضخم استثماراتهم التي تعرفونها في سوق النخاسة والاتجار بالبشر في مستنقعات الرذيلة . غالب الظن أنها هي المقصودة بطلب حمايتها مما يسمونه الدولة الدينية . وكذلك خير من عبّر عن حقيقة هذه المخاوف ، اليهود ؛ فهم الذين يفضحون ويكشفون المستور ، حيث قال رئيس الكيان الصهيوني شيمون بيريز في مقابلة مع صحيفة نيويورك تايمز، نشره يوم الخميس الماضي موقع ” أصوات مصرية ” التابع لوكالة أنباء رويترز : ” الاقتصاد المصري يعتمد بشدة على السياحة ، إذا لم يسمحوا للسائحين بالقدوم وتقضية عطلاتهم بالشكل الذي يودونه فلن يأتوا، عندما لا يوجد بيكيني لن توجد سياحة”.
سانحة :
السؤال الذي يطرح نفسه ماهي عوائد السياحة ( البكينية ) على الشعوب من حيث رفاهيتهم وتحسين سويّة معيشتهم ؟ أم أن المسنفيد منها فئة قليلة تتغوّل وتتضخم ثرواتها بينما الشعوب في ( ستين داهية ) ؟!!