راصد

أحذية السياسة

الحذاء – بحسب موسوعة ويكيبيديا – “هو لباس القدمين من أجل حمايتها من العوارض التي تكون على الأرض , فبالأحذية يمكن للإنسان أن يمشي على السطوح القاسية أو الناتئة دون إحداث آلام أو أضرار بالأقدام ” ولها تسميات أخرى مثل : المداس – التليك – الحذوة- الزنوبه  . كما لها تسميات مشهورة مثل ” القندرة ” عند العراقيين ، و” الجزمة ” في اللهجة المصرية .

ولسبب أو أسباب ما ارتبط ” العقال ” أو ” القبعة ” في الوعي الجمعي وأعراف الناس وتقاليدهم بالتكريم والاحترام والرقي بينما لصقت الأحذية بـ( الدونية ) فأصبحت من مفردات السب والشتم كما أن ضرب الآخرين بها قد يكون وقعها على المضروب أشدّ من العقاب بأي آلة أخرى لما فيها من معاني إهانة وإذلال .

ولذلك يحرص كثيرون حينما يبلغ فيهم الغضب مقداراً لايُحتمل أو يشعرون بالمذلّة والامتهان وحجم الظلم الواقع عليهم أن يستخدموا الأحذية للتنفيس عما يختلج داخلها ، أو هي أداة تعبير أو إبداء رأي يتزايد اللجوء إليها مؤخراً في مجريات الواقع السياسي ، ولعلّ أشهر الأحذية المستخدمة في مجال التعبير السياسي في عصرنا الحديث حذاء العراقي منتظر الزيدي الذي ألقاء على الرئيس بوش في عام 2009 بينما كان يلقي الأخير كلمة في مؤتمر صحفي .

وفي كثير من الأحيان تنشأ بين الإنسان وحذائه علاقة يصعب قطعها أو التخلّي عنها بسهولة ، فقد تزامل الحذاء مع صاحبه ، وربما انكشفت له كثيراً من أسراره ومحال تنقلاته و( روحاته وياياته ) بصورة قد تصل إلى حدّ الألفة التي جعلت – مثلاً – من أبو القاسم الطنبوري ، وهو تاجر من أهل بغداد ، وكان ثرياً وفي الوقت نفسه بخيلا  ؛ أن تستمر علاقته  مع حذائه لمدة تزيد على السبع سنوات ، وكان من بخله أنه كلما تلف أو انقطع من حذائه مكان وضع فيه رقعة من جلد أو قماش , حتى أصبح الحذاء عبارة عن مجموعة من الرقع يمسك بعضها بعضاً ، واشتهر الطنبوري في بغداد كافة ، وعرف الجميع حذاء الطنبوري. فلمّا عابه بعض أصحابه واكتشفوا سوء حال حذائه أصرّوا عليه أن يتخلص منه ؛ فقرر الطنبوري  التخلص من ( مداسه ) لكنه في كل مرة يتخلص منه يعود له الحذاء نفسه بمشكلة أخرى حتى قضت مشكلات حذائه على جزء كبير من ثروته وسلامته وسمعته وعرّضته لسخط جيرانه وأصحابه ومعارفه ، ودخل بسببه إلى ساحات المحاكم وسطّرت قصـته كتب الأدب العربي في رائعة معروفــة بـ ( حذاء الطنبوري ) وألّفت حوله كتب حمِلت اسمه ، وجرى إعداد مسـلـسلات تلفزيونية تدور في فلك هذه القصة ، قصـة التخلّص من الأحذية ، مثل المسلسل الكويتي الكوميدي ( كاني وماني ) .

الأحذية دخلت أيضاً في الممارسات السياسية حيث يلجأ الساسة إلى استخدام أشخاص آخرين ليكونوا لهم أدوات – بالترغيب أو الترهيب – هي أشبه بالأحذية ، تجعلهم يمشون نيابة عن هؤلاء الساسة على السطوح القاسية أو الناتئة أو يدوسوا خصومهم أو يضربوا أعداءهم دون إحداث آلام أو أضرار بأقدام هؤلاء الساسة ” . ولأن عالم السياسة مليء بالمتناقضات والتطوّرات فإن الأحذية السياسية – التي يجري اختيارها وفق أخلاق وقياسات معينة تتناسب مع مواصفات الأحذية – قد تتضخم لديهم عقدة ( الأنا ) تعويضاً عن النقص الذي يشعرون فيه نتيجة تشغيلهم ( أحذية ) ثم تتطوّر العقدة لتحدث مشكلات ربما تحرج الساسة خاصة حينما تخرج أحذيتهم عن النص أو المسار المخصص ( مثلما يقولون ) . غير أن الأزمة الحقيقية تكمن في كيفية تخلّص الساسة من تلك الأحذية ، فالساسة – غالباً – يرغبون في إنهاء أي علاقة لهم بهذه الأحذية بعد استنفاذ مهمتها وانتهاء صلاحيتها وكثرة الرقع والتلف فيها ، بل ويحرص هؤلاء الساسة على دفن تلك الأحذية تماماً لأنهم يحملون أسراراً قد تصل إلى حدّ الفضائح . وعلى العموم مهمة التخلّص من الأحذية السياسية لاتقلّ في عنائها ومايترتب عليها من رائعة أبوالقاسم الطنبوري حينما أراد فكّ ارتباطه بحذائه .

سانحة :

على الحكام والقادة وجميع الساسة أن ينزلوا عند قوله تعالى ” إن خير من استأجرت القوي الأمين ” فيحسنوا الاختيار لتكليفاتهم ولاستشارتهم ولبطانتهم ولإسداء النصح المخلص لهم ويبعدوا عنهم الضعفاء والسفهاء والحمقى والمتمصلحين والحرامية والمنافقين والمرتشين .

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s