لعلّ من أسوأ حالات استيراد الحلول لمشكلات الشأن المحلي التي نشأت في أعقاب الأحداث المؤسفة التي شهدتها البحرين في العام 2011م ولازالت تداعياتها موجودة تنتظر مبادرات مخلصة تلملمها وتحفظ لمجتمعنا وحدته وتماسكه وتدفع به نحو البناء والتنمية ؛ أسوأ تلك الحلول المستوردة هو مقارنتنا بالتجربة الإيرلندية ، والدفع لتقليدها من حيث آليات وأدوات وإدارة ووساطة الحوار أو المفاوضات ونتائجها التي أفضت إلى اتفاق بلفاست أو اتفاقية الجمعة ( العظيمة ) أو ( الحزينة ) سنة 1998 بعد انتهاء محادثات السلام البريطانية مع إيرلندا الشمالية التي استمرت فترة تقارب السنتين والنصف وأنهت ثلاثين سنة من النزاع المسلح المدعوم من جيش أو ميليشيات للبروستانت والكاثوليك أدارت الصراع السياسي وأثارت الرعب والاضطراب كل هذه السنوات .
ومنشأ هذه الدعوات هو الحجم الكبير للارتماء والارتهان وأحياناً ( الاستعداء ) الذي مارسته المعارضة لأطراف خارجية فُتح لها المجال لممارسة تدخلات وضغوطات وابتزازات جعلت من الأزمة التي نعيشها مجالاً مفتوحاً لكل من هبّ ودبّ ، وفقاً لمصالحه وأطماعه دونما أي اعتبار للخصوصية المجتمعية للبحرين ، وهي خصوصية ينبغي ألا نتجاوز محوريتها .
فالخلاف الموجود عندنا ليس بين بروستانت وكاثوليك ، وليس بين ميليشيات مسلحة تصارعت على مدار ثلاثين سنة وذهبت نتيجة عنه ضحايا جاوزت الثلاثة الآلاف ، وليس بين فرقاء يبحثون مستوى وحجم تبعيتهم لبريطانيا ، وليس بين أطراف يطلبون وساطات من هنا أو هنالك .
وبالتالي على من يذهب لمائدة الحوار القادم أن يعي ثلاثة أبعاد : أولاً : يجب أن يكون الحل بحريني خالص ، لاشأن للأمريكان أو البريطانيين أو الروس أو سواهم بمخرجاته ، أو الدفع بنتائج معينة له ، ولايشرفنا أن يكون على طريقة الإيرلنديين أو غيرهم . ثانياً : المحافظة بشكل لايقبل الشك أو ( التلبيس ) على أن للبحرين عمق استراتيجي وامتداد إقليمي داخل كيان دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية ، هو رافدها وهو مستقبلها ، وأن يجري النص على ذلك بشكل واضح في أي اتفاق أو وثيقة لمنع تجدّد أي استهداف أو تهديد في المستقبل لعروبة البحرين وانتمائها الأصيل . هذا البعد لايقلّ في أهميته عن أي توافق سياسي بشأن دوائر انتخابية أو صلاحيات برلمانية أو ماشابه ذلك . أما البعد الثالث فهو أن هذا الحوار لابد أن يكون متوازنا ، لا أعني في العدد والتمثيل ؛ وإنما يجب ألاّ يتحاورون تحت أسنّة أو ألسنة دخان حرائق الإطارات أو ( المولوتوف ) وأجواء مسيرات وتجمعات تتحدّى القانون وأجهزة الدولة ، وتفرض على المتحاورين تهديدات أو ضغوطات بهذه المظاهر والاحتجاجات في الشوارع .