لا يستطيع أي منصف – أكرر منصف لأنه عزّ المنصفين – يتابع مجريات الأحداث في أرض الكنانة ، مصر الحبيبة إلاّ أن يقرّ أن ما يجري إنما هو من توابع الزلزال الذي أحدثته ثورة 25 يناير2011م حينما أسقط الشعب المصري النظام السابق الذي أمضى في الحكم قرابة الثلاثين سنة أذاق فيها الشعب صنوف الأذى والعذاب ، جثم فيها على أنفاسهم ، قيّد حرياتهم ، زوّر إرادتهم ، حطّ من كرامتهم ، أشاع الفساد والسرقات والكسب غير المشروع وتفشى الفقر والعوز ، وتضخمت أرقام العاطلين عن العمل وتضاعف سكاّن المقابر ليتجاوز تعدادهم خانة الملايين وحُرمت نسبة كبيرة من الشعب تقارب (40%) من أبسط الخدمات التعليمية والصحية .
هذا الزلزال أتاح للمصريين بعد حدوثه التعبير عن خياراتهم عبر صناديق الاقتراع ، واختاروا رئيسهم من خلال تلك الصناديق في سابقة انتخابية لم تحدث في مصر وعموم الدول العربية منذ عدّة عقود من الزمان . وكان خيار الشعب هو التيار الإسلامي الذي ليس من شك في وجود من يعاديه ويرفضه أو لم يتوقع فوزه نيابياً ورئاسياً خاصة تلك القوى الليبرالية والعلمانية واليسارية وغيرها من القوى التي تحالفت – رغم الاختلافات فيما بينها – مع بقايا وفلول النظام السابق من أجل إسقاط الحكم الجديد وتشويه صورته ووقف إنجازاته .
ولما فشلت تلك القوى المتحالفة في تحقيق هدفها وأقرّ الشعب المصري دستوره الجديد ، أيضاً من خلال صناديق الاقتراع – وبنسبة هي الأعلى في تاريخ الاستفتاءات على الدساتير – حيث اكتشفت تلك القوى أن جميع جهودها وتمويلاتها و( مكائنها ) الإعلامية لم تستطع إثناء الشعب عن التصويت للدستور والمضي قدماً في تأييدها للخيار الذي ارتضته وعبّرت عنه من خلال صناديق الاقتراع ؛ عندها قرر الآخرون أن يكفروا بالديمقراطية التي كانوا ينادون بها ويقدّسونها لالشيء سوى أنها لم تكن في صالحهم ، وبالتالي إماّ أن تكون نتائج الديمقراطية لي أو سيكون البديل هو الفوضى والعنف والتخريب.
التراجع عن الديمقراطية وإلغاء خيار صناديق الاقتراع عملية تتكرر كلما كان الفوز فيها من نصيب الإسلاميين ؛ حدث ذلك في الجزائر عندما اكتسحت الجبهة الإسلامية للإنقاذ الانتخابات التشريعية بفوز ساحق عام 1991 حيث لم يمهلها العسكر إلاّ بضعة أسابيع حتى ألغيت نتائج الانتخابات وإعلان حالة الطواريء ، ومثلها في فلسطين حينما اكتسحت حركة حماس انتخاباتها التشريعية حيث تكالب عليها الجميع إلى أن وصلت القضية الفلسطينية هذا الحال من الانقسام والتشظي . وذات الأمر يُراد له أن يتكرر في مصر ، وكذلك في تونس وليبيا واليمن ، وبالطبع يُخشى ويُمنع حدوثه في سوريا حتى لو تجاوز عدد الشهداء فيها الـ (60) ألف شهيد حتى الآن . بمعنى أنه لكي تكون الديمقراطية مقبولة يجب ألاّ تسفر خياراتها ونتائجها عن فوز التيار الإسلامي .
سانحة :
يقول الكاتب والمفكر فهمي هويدي عن المشهد المصري : “في أجواء الهرج السائد، اختلطت الأوراق وأوهمتنا الآلة الإعلامية بأن مطالب النخبة الافتراضية هى ذاتها مطالب الشعب” .