أما مدينة أفلاطون فهي ” مدينة الفضيلة ” التي ابتدعها الفيلسوف اليوناني الشهير أفلاطون وأطلق عليها اسم ” يوتوبيا ” التي هي كلمة يونانية معناها لا مكان ، أو المكان الذي لا وجود له . وألّف عن هذه المدينة كتابه الذي حمل عنوان ” الجمهورية ” وتكلّم فيه عن سكانها بوصفهم من ” طين السماء ” ورأى أنهم سواء في كل ما يكتسـبون ويملكون ويحتاجون إليه ، يسـتلمون حقـوقهم ويؤدون واجباتهم ، ويعيشون أحراراً ومتساوين أمام القانون .
” مدينة الفضيلة ” أو ” مدينة أفلاطون ” استحوذت على فكر وأحلام الأدباء والفلاسفة والشعراء والمبدعين وحتى السياسيين والاقتصاديين فغدت مثل الأمنية التي يراودهم خيال تحققها على أرض الواقع لتسود الأمانة والصدق والعدالة والمساواة في أرجائها .
وأما ” الكنار” فهي ثلاث ” كنارات” التقطها وافد آسيوي فقير ومعدم بعد سقوطها على الأرض بالقرب من إحدى المزارع دون أن يدري أن صاحب المزرعة ربما هو من سكان ” يوتوبيا ” ، مدينة أفلاطون . حيث استطاع القبض على هذا الوافد – الذي قدِم للتو إلى البحرين – وتسليمه للجهات الأمنية وجرى التحقيق معه – بحسب الخبر المنشور يوم أمس في صحافتنا المحلية – بشأن هذه السرقة ( ثلاث كنارات ) ، بل وجرى حبسه احتياطياً على ذمة التحقيق لمدّة أسبوع ثم جرى تمديد حبسه (15) يوماً أخرى قبل أن تقرر المحكمة تغريمه ديناراً واحداً كعقاب على جريمته التي هي سرقة ( ثلاث كنارات ).
الجريمة آنفة الذكر وحبس مرتكبها وتغريمه استحوذت يوم أمس على أجزاء كبيرة من أحاديث الناس في منتدياتهم ووسائل تواصلهم ، صحيح أن غالب تداولها جاء على إما على سبيل ” النكتة ” أو التعاطف مع هذا الفقير المسكين الذي تم حبسه (22) يوماً بسبب ( ثلاث كنارات ) أو الحنق من صاحب المزرعة الذي كان حسّاساً جدّاً وزوّدها ( حبتين ) عندما اشتكى سرقة ( ثلاث كنارات ) أو الاستغراب من مدّة حبسه الاحتياطي بسبب هذه الـ ( ثلاث كنارات ) .
غير أن ما وراء هذا التداول هو الشعور بالأسى والحزن أن هنالك مئات الآلاف من الدنانير – وربما تصل حدّ الملايين – يجري سرقتها أو هدرها أو التلاعب فيها أو ما شابه ذلك مما تسجّل بعضه تقارير الرقابة بشكل سنوي ، ومثلها أراضي في البر كما البحر يجري ابتلاعها دون أن يجابهها أحد أو حتى على الأقل يُطبق عليها ذات عقوبة سارق الـ ( ثلاث كنارات ) .
سانحة :
أوضح أفلاطون في كتابه بعنوان ” الجمهورية ” الذي ألفه قبل مئات السنين عن مدينته الفاضلة أنه يصعب إقامتها على الأرض ، وأن مكانها السماء . وربما كان يقصد سماء المثل والأخلاق والقيم العليا التي ضاعت وتبددت في عالمنا ، فحلّ مكانها الكراهية والظلم والغدر والنصب والكذب والخبث والخيانة والنفاق وما شابهها من صفات قبيحة دكّت البنية الأساسية لرفعة المجتمعات وحيويتها ونظافتها وجعلت منها مدن صالحة لكل شيء إلا الفضيلة التي قرر إفلاطون منذ ذاك العهد أنها ” يوتوبيا ” أي – بحسب الترجمة اليونانية – المكان الذي لا وجود له .