راصد

عبارات لانسمعها إلاّ عند الزيادات

ارتفعت قبل حوالي شهرين أو ثلاثة – أقل أو أكثر – توقعات المواطنين وانتعشت آمالهم وزادت وتيرة أمانيهم في أن زيادة في رواتبهم لن تقل عن (15%) سيحظون بها ، وستسهم على الأرجح في تعديل بعض الشيء في سويّة معيشتهم وتجاوز مافيها من مصاعب ومشكلات جعلت من رواتبهم أشبه ماتكون بالمحنة الشهرية ، لايعرفون كيفية تصريفها مابين تسديد أقساط ودفع إيجار وديون ونفقات متزايدة لاتبقي شيئاً من رواتبهم فضلاً عن ادخار جزء منه لمواكبة مستقبل أبنائهم أو تحوّطاً لأية ظروف طارئة .

لم تكن تلك الآمال قد انتعشت عند الموظفين فقط وإنما نفسها ، وربما بصورة أكبر عند المتقاعدين الذين أفنوا سني أعمارهم في خدمة الوطن قبل أن يجدوا أنفسهم وحيدين في مهب الرياح العاتية ، لايستطيعون مواصلة حياتهم ولاتحمّل أعباء معيشتهم ، الديون تلاحقهم ، حاجات أسرهم وأبنائهم تحاصرهم ، وهم بأمراضهم وضعف صحتهم لايجدون من يرحمهم ، وبعضهم صاروا كما المتسوّلين الذين يجأرون بالدعاء لأن يعينهم على تسيير أمور حياتهم وتكاليفها بعدما كان المفترض أن يعيشوا مترفين أو مرفهين أو ميسورين في أواخر أعمارهم . وقد كان من دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ” اللهم أجعل أوسع رزقي عند كبر سني ” .

كانت تلك بمثابة آمال وأحلام سعُد بها الناس خلال الفترة الماضية ، رسموا عليها مشروعات أو احتياجات أو استكمالات لهم ولأسرهم ولأبنائهم ، البعض وزّع جداول تفصيلية بهذه الزيادات تشمل جميع الدرجات حتى ظنّها الجميع أنها قاب قوسين أو أدنى خاصة بعدما صار الكلّ يدعو لهذه الزيادات بما فيها جمعية تجمع الوحدة الوطنية التي جعلتها على رأس مطالبها في احتفاليتها بإحياء الذكرى الثانية لتأسيسه .

غير أنه تفاجأ الناس خلال الأيام القليلة الماضية بمن يحبّط من تلك الآمال ويسبب لعدم تحقيقها أسباب ، ويجري الحديث عن عجوزات وديون على الدولة لاتستطيع زيادتها بإضافة زيادات على مداخيل الموظفين والمتقاعدين . وهي مبررات وأسباب لايجري تداولها إلاّ حينما يكون الكلام عن تحسين معيشة المواطنين وزيادة رواتبهم أو ما يشبه ذلك بينما تغيب تلك المبررات وتختفي تماماً في صور ومجالات أخرى أولى بأن تتصدّر أوامر منعها عبارات عجوزات الميزانية أو الديْن العام والوضع الاقتصادي وما سوى ذلك من عبارات يجري إشهارها في غير محالها ومواقعها الصحيحة .

من أراد معالجة العجوزات أو ترشيد الإنفاق أو مواجهة الديْن العام فإن هنالك أوجه كثيرة يعرفها الناس ويرونها ويسمعون عنها ويتحسرون على البذخ والإسراف الحاصل فيها ، ويسيل لأجلها ” لُعاب ” الكثيرين ويتمنون لو صُرفت نفقاتها لحلحلة كثرة من مشكلاتهم الاجتماعية والإسكانية . لو تم إيقاف هذه الأوجه أو تخفيضها أو تقليل حتى بهرجتها وزينتها لتحققت وفورات لانحتاج معها إلى المساس بمداخيل الموظفين وأرزاقهم ونوقف زياداتهم.

سانحة :

“الغُرم ” في لغة العرب يأتي بمعنى (الدَّين) ، ومنه قوله تعالى :” والغارمين وفي سبيل الله ” ومنه في الحديث : ” أعوذ بك من المأثم والمغرم”  ويُقصد به عموماً الضرر. وأما “الغُنم ” في اللغة فهو الفوز بالشيء بلا مشقة . ويُستعمل الغُنم مقابل الغُرم ولذلك نشأت قاعدة في الفقه  تقول ” الغُنْم بالغرم”  ومعناه ” إن من ينال نفع شيء يتحمّل ضرره ” لكن تم إهمال هذه القاعدة ، وحدث فصل كبير بين طرفيها بحيث اعتاد المواطن على معيشة (الغُرم) وغابت عنه فرص الفوز (بالغُنم ) وصارت الديون والقروض تلاحقه وتستقطع الرسوم والإيجارات والأقساط أجزاء غالبة ومكدّرة من راتبه الشهري بمنتهى السهولة والبساطة دون أن يقابلها ( غُنم ) من أي نوع يأتي بمثل سهولة ما يغرمه !

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s