يُروى في الصفحات البيضاء من تاريخنا الإسلامي المجيد أنه بعد احتلال الصليبيين للقدس الشريف ؛ كان القائد صلاح الدين الأيوبي – بحسب المؤرخين – كالوالدة الثكلى ، يطوف بالناس ويستحثهم على الجهاد وينادي ” ياللإسلام ” وكان من كلامه رحمه الله : ” كيف يطيب لي الفرح والطعام ولذة المنام وبيت المقدس بأيدي الصليبيين؟! ” واستمر على ذلك حتى مكّنه الله تحرير القدس .
وفي ذات تلك الصفحات البيضاء أن صاحب عمورية من ملوك الروم كانت عنده امرأة عربية مأسورة ، فعذبها حتى صاحت : “وامعتصماه ” فسمع بذلك الخليفة المعتصم بالله . وفي مقدمة ابن خلدون ” أن الخليفة المعتصم لمّا بلغه هذا الخبر كان على سريره وأنه كان بيده كأس ليشربه فقال : لبيك .. لبيك ، ورد الكأس وقال : ” لاشربته إلا بعد فك هذه الشريفة من الأسر وقتل العلج ” وصاح المعتصم في قصره : ” النفير النفير ” ثم بقية القصة كما تعرفونها حيث قاد جيشاَ بنفسه وفتح عمورية وحرر المرأة المسلمة المأسورة .
بل أيضاً سجل التاريخ في الصفحات الناصعة البياض أنه في ذات يوم ذهبت امرأة مسلمة إلى سوق بني قينقاع لبيع ذهب معها، فاحتال عليها اليهود لتكشف وجهها فأبت، فأخذ الصائغ طرف ثوبها، وربطه إلى ظهرها – وهي لا تعلم- فلما قامت انكشفت عورتها، وأخذوا يضحكون منها، فصاحت المرأة تستغيث بعد أن طعنت في كرامتها، فوثب رجل مسلم على اليهودي الذي أهان المرأة فقتله، فقام اليهود بقتل ذلك المسلم، فكان شهيدًا في سبيل الله، فلما علم رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك أمر أصحابه رضوان الله عليهم بقتال بني قينقاع ، فجاءهم صلى الله عليه وسلم وحاصر هؤلاء اليهود في حصونهم حتى طردهم من المدينة المنورة ، وذلك فقط لأن يهودياً ربط طرف ثوب امرأة مسلمة إلى ظهرها، طردهم المصطفى صلى الله عليه وسلم شر طردة .
ليست تلك الصفحات سوى جزء يسير من سجلات ناصعة في نصرة المسلمين والوقوف إلى جانب المظلومين سطّرها تاريخنا المجيد باعتبارها مواقف طبيعية ولازمة تفرضها أخوة الدين وواجبات الالتزام به فضلاً عن أنها حقوق إنسانية ينبغي مراعاتها بين البشر والتداعي إلى القيام بمتطلباتها انطلاقاً من قيم الرحمة والتكافل والعطف و… إلخ .
غير أن التاريخ سيسجل في صفحاته السوداء مواقف خزي وعار وشنار تفوق فيها المسلمون الآن ، ربما لم يسبقهم إليها أحد قبلهم ، تتعلق ببلاد الشام التي تثخب اليوم بالدماء ، حيث الفتك والقتل هناك بلا هوادة ، الضحايا والشهداء بعشرات الآلاف ، مدن وأحياء تُدكّ على ساكنيها ، يُذبح أهلها على مرأى ومسمع من ملايين البشر ، ومنهم المسلمون الذين اختاروا أن يكونوا في ساحة التفرّج على الدماء المدرارة والأشلاء المتطايرة دون أن يحرّك فيهم شيئاً من نصرة الرسول صلى الله عليه وسلّم أونخوة المعتصم أو آلام صلاح الدين الأيوبي واعتزاله الطعام والفرح .
كثيرة هي التسجيلات الواردة من سوريا ومخيمات لاجئيها ، تشرح أحوالهم وتبين حجم مأساتهم وتفضح جرائم النظام السوري ضدهم ، بعضها لنساء وبعضها لأطفال تفيض عيونهم من الدموع ، يطلقون آهات واستغاثات يتفطّر من أنّاتها حتى الحجر ، ويعجز أو يذوب من وصف أهوالها كل شيء لكننا ضاعت المروءة عندنا وضعف أو ضيعنا واجب النصرة لإخواننا في سوريا التي تتحدّث الأرقام عن إحصائيات مهولة في أعداد الوفيات تجاوزت عشرات الآلاف وكسرت أعداد المشرّدين والمهجّرين منها حاجز مئات الآلاف في مشهد لايقلّ فظاعة عما فعله قبل عدة قرون التتار والمغول في ديار المسلمين الذين يتحتم عليهم أن ينصاعوا لدواعي نصرة أهل الشام ، دينياً وإنسانياً فتتوقف على أقل تقدير ( أقل تقدير ) مساخر تُقام هنا وهناك بمسميات مهرجانات أو أمسيات أو احتفالات كتلك التي ستبدأ قريباً عندنا بمسمى ربيع الثقافة بينما هي اعتاد الناس على أنها ( هشّك بشّك ) مثل حفلة الموسيقار العالمي ” ياني ” المقرر إقامتها بداية شهر أبريل القادم ويُقال أنها نفدت تذاكرها التي تصل إلى (60-80) ديناراً !! عيبٌ علينا أن نتثقف رقصاً وطرباً بينما سوريا تثخب بالدماء .
سانحة :
قلنا وسنظل نقول : إننا نجهل أو نستهين بسنن المولى عز وجل ونواميسه الثابتة في هذا الكون ، ونغفل أننا جميعاً معرّضون لغضب المولى عز وجل لانحيازنا أن نكون مع المتفرّجين واختيارنا موقف المتخاذلين ، حكاماً ومحكومين . ولسوف تحلّ علينا وعلى بلداننا لعنة تخلينا عنهم وظلمنا لهم وعدم قيامنا بفريضة نصرتهم وتقاعسنا عن نجدتهم ، بل ونرقص ( نتثقف ) بينما تٌسفك دماؤهم وتُزهق أرواحهم . أقترح على من نظم وينظم مثل هذه المهرجانات أن يدخل في الانترنت على الـ youtube ليرى ويسمع قصص وصرخات واستغاثات أطفال من سوريا ، ذُبح آباؤهم وأمهاتهم وإخوانهم وتم هدم بيوتهم ومدارسهم ، بعضهم يبقى أيام بلاطعام .. صدقوني سوف تتفطر قلوبكم إذا رأيتم دموعهم وتوقفوا هذا العبث بثقافتنا وهويتنا ومشاعرنا وأحاسيسنا ، وتمنعوا إقامته حزناً ودعماً لإخوانكم في سوريا ، وتضامناً معهم واستجابة لدعوة المولى عز وجل وإرضاء له .