وتعني في اللغة والاصطلاح معان كثيرة لكنها تتفق على أن استباحَ الأمرَ ؛ أي عدّه مباحًا غير ممنوع ، وبالتالي أقدم على فعله اعتماداً على أنه مباح وغير ممنوع . أما في الشرع فإن للاستباحة أحكام وجزءات كثيرة موجودة في عموم المذاهب الإسلامية على تنوّعها . وتأسيساً على ذلك فإن الاستباحة كلّ لاتتجزأ في معانيها وتفسيراتها . وبالطبع ليس مثلي من يستطيع أن يخوض في أحكام الشرع الحنيف لكنني من حقي كمواطن – مثل غيري من المواطنين والمقيمين – لابد أن نفهم بصورة واضحة ودقيقة وواقعية ( وهو الأهم ) الفرق بين استباحتين والحد الفاصل بينهما.
الاستباحة الأولى : وردت في بيان أصدرته جمعية الوفاق أو القوى المعارضة يوم الخميس الماضي ، جاء فيه : ” استباحت قوات النظام في البحرين المدججة بالسلاح في أكثر من (40) منطقة في مختلف محافظات البحرين على خلفية تظاهرات سلمية واحتجاجات في الذكرى المشؤومة الثانية لدخول قوات درع الجزيرة البحرين للمشاركة في وقف الاحتجاجات التي تستمر منذ عامين للمطالبة بالتحول نحو الديمقراطية ” ثم أضاف البيان : ” وحاصرت قوات النظام بترسانتها العسكرية عددا من المناطق واستنفرت قواتها على الشوارع الرئيسية وأقامت حواجز عسكرية لهذا الغرض، وواجهت المواطنين، ضمن المنهجية القمعية التي تتعامل وفقها قوات النظام مع المواطنيين ” وختم البيان بالتالي : ” ويأتي كل ذلك في إطار سياسة العقاب الجماعي، إذ تعرضت هذه المناطق للقمع الوحشي والخارج عن نطاق الإنسانية والقانون والضمير، ووجهت القوات أسلحتها المختلفة على المواطنين السلميين وعلى المنازل والأحياء الضيقة مما خلف اصابات متفرقة واختناقات متعددة بالغازات السامة والخانقة “.
أما الاستباحة الثانية : فهي لم تصدر في بيان ، ولم تتطرق لها جمعية الوفاق أو المعارضة ، ولم تنل منهم أي اهتمام مثلما لم يصدر عنهم استنكارها والتنديد بها . الاستباحة الثانية بدأ الترويج للقيام بها قبل يوم الخميس ببضعة أيام ، بشكل تصاعدي حتى أنه قبل يوم واحد من الخميس ظهر على إحدى الفضائيات المعروفة بعدائها للبحرين ؛ من يدعو لتنفيذ هذه الاستباحة التي بدأت مع ساعات الصباح الباكر حيث إشعال الإطارات وغلق الشوارع وسكب الزيوت وما شابه ذلك من أعمال استباحت – في حقيقتها – شوارع وطرقات الناس ، عطّلت المصالح ، هددت الأرواح ، اعتدت على الممتلكات ، غطت الأدخنة السماء ، أثارت الرعب والخوف، بالضبط كأنه عقاب جماعي للمواطنين والمقيمين .
أعتقد جازماً أن هذه الأعمال – مهما تم تبريرها – لاتخرج عن المعنى اللغوي والشرعي للاستباحة ، وكان ينبغي على من أصدر بيان استنكار للاستباحة الأولى أن يتبعها بإدانة الاستباحة الثانية مع أنه لو كانت أعمال الحرق والتخريب والفوضى في الشوارع والطرقات مما تم إدانته والنهي عنه باعتباره من أعمال وأفعال الاستباحة لما احتاجت الوفاق وغيرها لاستنكار قيام قوات الأمن بواجباتها في حفظ الأمن مما أسموه ( استباحة ) لأنها لن تقوم أساساً بشيء .
أي دولة في العالم تحترم نفسها وتحافظ على هيبتها لا يمكنها أن تقف مكتوفة الأيدي أمام تهديدات معلنة ومنقولة لعدة أيام بأن هناك من سينفذ إضراباً شاملاً وسيشل الحركة في الشوارع والطرقات على طول وعرض البلاد ، ثم يُطلب منها – الدولة – ألاّ تقوم بواجبها في منع حدوث ذلك لأن قيامها بذلك سيكون استباحة ! أليس من الأولى وقف باحة شوارع وطرقات ومصالح الناس أو إدانتها وتحريمها ؟! إدانة الفعل نفسه أولى من إدانة رد الفعل .