راصد

درسان من الكويت

الدرس الأول جاء في الأسبوع الماضي من الدكتور نايف الحجرف وزير التربية والتعليم العالي بدولة الكويت الشقيقة الذي امتلك من الجرأة والشجاعة ما مكّنه من كسر احتكار الآخرين من غير دولنا العربية والإسلامية لصناعة الاستقالات المشرّفة ، تلك الصناعة التي تغلغلت في الغرب ونالوا حقوق امتيازها بكل اقتدار ، إذ جعلوا منها – الاستقالة – تصرفاً أخلاقياً وحضارياً والتزاماً أدبياً وأخلاقياً مقبولاً ومفترضاً في أحوال كثيرة للإخفاق وسوء النتائج وقلّة الإنجاز وتراكم الفشل وما شابه ذلك وأكبر منه مما تعجّ به مجتمعاتنا العربية والإسلامية فلا يكون المسؤول أمامها إلاّ بما ينطبق عليه المثل ” ياجبل مايهزّك ريح ” .

في الأسبوع الماضي توفت طالبة كويتية تبلغ من العمر (11) عاماً ، انتشرت روايات وأقاويل كثيرة حول ظروف وفاتها في المدرسة ، الحادثة هزت المجتمع ، وبعد أن عقد الوزير الكويتي الدكتور نايف الحجرف عدة اجتماعات مع قيادات وزارته ؛ أعلن استقالته قائلاً : ” استشعارا لمسؤوليتي السياسية والأدبية ، ولأنني مؤمن بأن أبناءنا الطلبة هم من مسؤوليتي الشخصية ، فإنني أتحمل مسؤولية ما حدث بدون أي تقصير من المسؤولين في الوزارة ” . ولذلك سيظل الدكتور نايف الحجرف – الذي يُقال عنه أنه من خيرة الكفاءات العلمية – نموذجاً محل استدعاء في الشجاعة وتحمل المسؤولية عند أي إخفاق أو مصيبة أو كارثة تكون في نطاق وزارة وزير ما أو مؤسسته ، سيذكر الناس شجاعته وسيقدّرون موقفه وسيتناولون بكل الفخر والاعتزاز رضاه بتحمّل المسؤولية ، وذلك على خلاف غيره من الوزراء والمسؤولين الذين لايحسّون بالخطأ والفشل والعجز مهما كانت جسامته ولايحرّك فيهم ساكناً ، تماماً كأنما الأمر لايعنيهم وليس لهم علاقة به !!

أما الدرس الثاني فقد تناقلته وسائل الإعلام المختلفة وضجّت به أدوات التواصل الإلكتروني تعبيراً عن الإعجاب والتقدير وربما رغبة في تبنيه أو من باب التمني والتطلع لأن يكون موضوع هذا الدرس حقاً ونهجاً متبعاً وعادياً ومألوفاً في الخطاب بين الحاكم والمحكوم ، بين الرعاة والرعية .

هذا الدرس يتعلق بالرسالة التي قرأها الإعلامي الكويتي عبدالله بوفتين ، أيضاً الأسبوع الماضي في ختام فعاليات المؤتمر الوطني للشباب الذي نظمته جامعة الكويت تحت شعار ” الكويت تسمع ” . كانت رسالته تنضح بالصدق  والشفافية مليئة بالحب والولاء ، تفيض بالإخلاص والشجاعة بحيث أنها تحولت إلى حديث جميع الأوساط الكويتية وغير الكويتية .

وسرّ انتشار هذه الرسالة التي حملت عنوان ” رسالة جيل ” ليس في قوتها وصراحتها وحبها وخوفها على الوطن فحسب وإنما هو أن الإعلامي الكويتي عبدالله بوفتين قد وجّه هذه الرسالة مباشرة – بدون وسيط – في هذا الحفل إلى القيادة السياسية التي كانت راعية وحاضرة  في هذا الحفل ، وعلى رأسها صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح أمير دولة الكويت الشقيقة حفظه الله الذي استقبلها – على جرأتها وصدقها وحماسها – بكل رحابة صدر ، بل وأثنى عليها  وقال لعبدالله بوفتين بعد إلقاء الكلمة مباشرة ” كلمة جميلة ومن أجمل ما سمعت .. شكراً لك يا ولدي”.

وأحسب أن قادتنا وشيوخنا ومسؤولينا في عموم دول الخليج العربي لا يختلفون عن صاحب السمو أمير دولة الكويت الشقيقة في ترحيبه وثنائه وإعجابه بالكلمة الناصحة الصادقة فذلك هو الوضع الطبيعي لأخلاقياتهم وسجاياهم وكريم أصولهم وطيب معادنهم لولا أن المتسلقين والمتمصلحين والمتزلفين والمنافقين قد أنشأوا أعرافاً أو مايشبه الطبقة العازلة جعلت من زيارات ولقاءات الحكام بالمحكومين مجرد مناسبات للبهرجة وزينة إعلامية ومسابقات خطابية في الإطراء وقصائد شعرية في المديح والثناء ، تضيع فيها أنّات الناس ومشكلاتهم وحاجاتهم الحقيقية ، وتغيب عنها رؤاهم وتطلعاتهم وأمانيهم .

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s