بين يدي كثرة من التصريحات والبيانات الصحفية التي تتكلم عن خطط واستراتيجيات لبناء المشروعات الإسكانية وتصفير قوائم الانتظار وبالتالي إنهاء مشكلة الإسكان والتخلص من أرقها والقضاء على أزمتها المتفاقمة .
هذه التصريحات ليست كلاماً إنشائياً مرسلاً وإنما تكون – في غالبها – على شكل أرقام عن بناء مئات وآلاف ، بل وعشرات الآلاف من الوحدات السكنية بحيث أن من يقرأها يسيل لعابه وترتفع معنوياته خاصة أولئك الذين قد سطّرت قوائم الانتظار أسماءهم منذ تسعينيات القرن الماضي في انتظار قادم لايعرفون موعد وصوله ، كبُر أطفالهم ، تخرجوا من مدارسهم وأيضاً جامعاتهم ، ربما تزوجوا وجاؤوا بأولاد يسألون جدهم – وليس والدهم – عن بيته المنتظر.
لا أريد أن أستعرض هذه التصريحات لأن بإمكان أي مراقب أو راغب أن يتصل عبر الشبكة العنكبوتية بصاحبناGoogle حيث سيقف على هذا الكم الكبير والغريب من تلك التصريحات التي يطلقها المسؤولون عن الإسكان دون أن يكون لها المصداقية على أرض الواقع . أعني بالمصداقية هنا هو أن تتحول تلك الخطط والاستراتيجيات المعلن والمصرح بها من حال الأحبار المكتوبة على الأوراق إلى حال البناء بالطوب على الأرض .
فعلى سبيل المثال – وليس الحصر – تصريح في أواخر عام 2006م نشر في جميع الصحف البحرينية أعلن فيه وزير الإسكان آنذاك ” انتهاء مشكلة الاسكان فى البحرين خلال السنوات الخمس المقبلة ” بالطبع داخل الخبر تفاصيل رقمية كثيرة تشعرك بمقدار غير قليل من الجدية والتخطيط العلمي الباعث على التفاؤل ، خاصة حينما يكون الإعلان على هذا النحو .
لم يقف الأمر عند هذا الحد وإنما في عام 2007م جرى الإعلان عن خطة الحكومة لمعالجة المشكلة الإسكانية وتم تحديد برنامج يمتد من عام 2007إلى عام 2010م لبناء آلاف من الوحدات الإسكانية ، كان من بينها المدينة الشمالية – التي تم وضع حجر أساسها في عام 2003م ( قبل عشر سنوات ) – وعدة مدن ومشروعات إسكانية هنا وهناك .
مفاد تلك التصريحات عن الخطط والاستراتيجيات أنه في عام 2011م تكون المشكلة الإسكانية قد انتهت بالفعل في البحرين لأن الخمس السنوات التي كنا موعودين بها منذ عام 2006م تكون كاملة في عام 2011م . هذا هو منطق الحساب والرياضيات لولا أن ما يجري إنجازه على الأرض من تلك الوحدات هو في خانة المئات أو ربما تجاوزها للألف أو يمكن الألفين وحدة سكنية ، مما لا يتناسب مع الخطط والاستراتيجيات الرقمية المعلنة والمصرّح بها ، ولاتؤثر في قوائم الانتظار التي تجاوزت حاجز الـ (55) ألف طلب . وذلك يحدث من دون أن يدري أحد دوافع تلك التصريحات ومدى الحاجة إليها وكثرة تكرارها في ظل عدم القدرة على إنفاذها أو تحقيق حتى نصفها .
على أن الأغرب من ذلك أن هذه الوعود ؛ بحلحلة المشكلة الإسكانية وتصفير القوائم لاتكاد تتوقف حتى بعد انتهاء عام 2011م بحيث أن تلك التصريحات قد فقدت بالفعل بريقها وأصبحت فاقدة للحيوية ، كما أن الكثيرين صاروا لايعيرونها الاهتمام اللازم والمفترض وكثيرون يعتبرونها بمثابة ( … ) . ولعلّ التصريح المنشور بالأسبوع الماضي حول أن وزارة الإسكان تستهدف بناء ( 45085 ( وحدة سكنية خلال الفترة الممتدة حتى نهاية العام 2016 لا يمكن أن يصدقه أحد بالنظر إلى سوابق التصريحات والخطط والاستراتيجيات، وكان الأولى بالوزارة لو كان لديها خطط واضحة وميزانيات محددة وآجال زمنية معلومة ودقيقة ؛ أن تعمل في صمت على تنفيذ وبناء هذه الـ ( 45085 ( وحدة سكنية ، وتتكتّم عليها وتمتنع عن التصريحات الصحفية عنها فتكون للناس عند جاهزيتها والانتهاء منها مثلمـا نقـول ” خلّوها مفاجأة ” وحينذاك ؛ حينذاك فقط فليُكتب عنها ماشاؤوا من تصريحات وبيانات وأخبار مادامت قد أصبحت واقعاً يمكن لمسه والشعور به والإحساس بوجوده في مناطق الناس ومعاشهم وليس على أوراق الصحف وشاشات التلفزيون .
سانحة :
نقدّر حرص وسعي الوزراء والمسؤولين الحاليين والسابقين في وزارة الإسكان على معالجة الأزمة الإسكانية ، ونقدّر حجم الضغوطات التي يواجهونها والتحديات التي يريدون تجاوزها خاصة أنهم أمام قائمة انتظار مخيفة تفوق الـ (55) ألف طلب ، وهي تتزايد ولاتتناقص . لكن لاترهقوا أنفسكم بوعود يحفظها التاريخ والناس عنكم على أنها مجرّد كلام . فالخبرة التي تراكمت وتأسست عند المواطنين لاتسمح لهم بأن يصدقوا أن وزارتكم الموقرة ستبني خمسة وأربعين ألف وحدة سكنية في ثلاث سنوات ..