قلنا في مقال سابق قبل بضعة أيام أن هذا البعوض أو الحشرات التي نتشر بكثافة في منطقة قلالي نتيجة ذاك المستنقع الآسن تحتاج إلى تدخل بيئي وبلدي عاجل ، ليس فقط لقرب دخول الصيف – إن لم يكن قد دخل بالفعل – وهو موسم مناسب للتوطين . وليس فقط للأضرار والمخاطر الصحية على الأهالي فقط ؛ وإنما أيضاً سيعطي مؤشر على عدم القدرة على مكافحة الآفات والمخاطر البيئية في الوقت الذي يتنادى فيه العالم لاستجلاب شتى الاستعدادات لمواجهة مصائب وكوارث أكبر من ذلك بكثير .
البعض في قلالي يخاف أن يفتح أبواب ونوافذ منزله من كثرة هذه الحشرات والبعوض التي لاتزال الجهات المختصة تماطل في إيجاد الحل الجذري والسريع لمصدر تلك الحشرات ، وأعني بها المستنقع الآسن إياه . والكلام عن كلفة مالية عالية لاتستطيع الجهات البلدية والبيئية تحملها .
على أن الحديث عن التكاليف المالية لردم أو معالجة مصدر تلك الحشرات لابد وأن يقودنا للاستفسار عن أسباب هذه المشكلة ونشوء هذا المستنقع الآسن الذي ابتلى بمخرجاته وروائحه أهالي قلالي الذين كانت منطقتهم مشهورة بسواحلها وارتباطها باللون الأزرق قبل أن يجير عليهم من سرق بحرهم ودفنه عنهم وأبعدهم عن ارتباطهم وإرثهم به .
هذا المستنقع حدث بفعل فاعل ، وتسبب في وجوده – حسبما أعتقد – الدفان الجائر ، حيث أنشئت فيه جزر ومدن وديار يتكسب منها أصحابها والمستثمرون فيها ملايين الدنانير ، مما ينبغي لهم – هم أو بنوكهم – الاضطلاع بمسؤولياتهم الاجتماعية تجاه هذا الخلل في الدفان والمشكلة الصحية والبيئية التي نتجت عن مخالفاتهم وتجاوزاتهم وقبل ذلك تعدّيهم على سواحل وبحار قلالي ، فيتكفلوا بجميع التكاليف المالية لما تسببوا فيه من ضرر بالغ لايشعر بحجمه إلاّ أهالي قلالي الذين تحاصرهم تلك الحشرات والبعوض حالياً ، وتحتاج إلى من ينقذهم منها .
يجب أن يعرف الدافنون للبحر ومعهم أصحاب هذه الجزر والديار ، أن المسؤولية الاجتماعية وخدمة المجتمع لاتقتصر على المشاركة في بضع سباقات ومهرجانات لا تعود بالنفع على أحد ، وليست تلك المسؤولية في توزيع الفتات هنا أو هناك ، وإنما هي التزام أدبي وأخلاقي صارت تأخذ به الشركات والمؤسسات في مختلف دول العالم ، ليس من قبيل الصدقة والإحسان وإنما أصبح ضمن مؤشرات نجاحات وإنجازات تلك المؤسسات بحيث لم تعد مسألة تقييمها معتمدة على مقدار ربحيتها فحسب وإنما صار قربها أو بعدها عن المجتمع وقضاياه معياراً هاماً في قياس أداء الشركات والمؤسسات والبنوك ، هذا هو الحال في الدول المتقدمة ، وهو الحال لدى التجار ورجال الأعمال الذين لايركضون وراء جشعهم وسدّ نهمهم لتكديس الأموال والأرباح. وبالتالي على الجهات المختصة في الدول أن تبادر لحل مشكلة مستنقع قلالي على حساب من تسبب في وجوده ، فتطالبهم بالشيمة أو القيمة .
وهو مثل شعبي ، معناه : الشيمة : تعني النخوة والمروءة . والقيمة نعني بها فرض التكلفة والغرامة .
سانحة :
لابأس أن نكرر هذه السانحة مرة أخرى : كلنا يعرف أن أي مواطن حينما يقوم بإجراء أي مخالفة في بناء منزله فإن الجهات المسؤولة – من بلدية وكهرباء وماء ومجاري – تتعاون على إلزامه بإزالة تلك المخالفة أو تقوم هي بإزالتها وتغرّمه أو تستحصل منه قيمة هذه الغرامة . على أن أكثر الكلام الذي ظهر عن هذا المستنقع في منطقة قلالي كان يدور حول ضرورة وسرعة معالجة هذه المشكلة ، لكننا لم نقرأ أو نسمع شيئاً عن أسباب حصولها أو المتسبب فيها !!