حينما يتيسّر لأي مواطن أن يسافر ويحطّ رحاله في أي حاضرة من حواضر البلدان الأخرى التي تُصنف جغرافياً ضمن الجزر – بالضبط كما البحرين – التي تحدّها البحار من كل صوب وجهة ؛ سيعرف حينذاك للبحار متعتها وسيكتشف زرقة لونها وصفاء مياهها ، وسيلامس جسده رمالها الذهبية وقد يتسمّر أمام الأمواج ويمخر عبابها ويجول في لبابها بالقوارب أو (العبّارات) أو البواخر ، وقد يسترخي على الشواطيء الناعمة فيها ويداعب مياهها لساعات طوال متأملاً تلك الطبيعة الخلابة والمناظر الآسرة . بل سيرى كيفية تسابق المواطنين والمقيمين وعموم السائحين على عدد من السواحل – ليس واحداً – استقطبتهم مياهها وروائع جنباتها وأشجارها ونظافتها ومرافقها ومقدار الاهتمام بها لإبقائها محل جذب واستقطاب للناس ، بل ويجعلون منها محطة رائعة وذكرى سعيدة وبهيجة على الدوام .
هذه هي حال غالب الجزر أو شبه الجزر التي لها مطلّ على البحر ، لاتفرّط باستغلاله – مهما كلّفها الأمر – لراحة الناس واستجمامهم وسياحتهم باعتباره أحد أهم العناصر السياحية التي تسعى الوزارات والجهات المسؤولة لإبرازه والمحافظة عليه والتفاخر به والجذب والترويج السياحي على أسس لاتخلوا من مناظر الشواطيء والسواحل الخلابة . من دون حاجة لكثرة الكلام عن عاصمة للسياحة العربية أو العالمية أو ما شابه ذلك من أوصاف وهيئات ومسميات ليس لها على الأرض من مصداقية ، ولاتلامس في حقيقتها الواقع حيث تنحصر السياحة – أو تكاد – فيما تعرفونه مما ترون وتسمعون وتقرأون ( أجلّكم الله ) .
الأمر يختلف عندنا في جزيرة مملكة البحرين حيث يصعب – إن لم يستحيل – على أي أحد العثور على ساحل ! ساحل بالمقوّمات التي نشاهدها في غير جزيرة البحرين التي فقدت بحارها وشواطئها جمالها ونضارتها واختفت النظافة من سواحلها وصار بعضها أماكن للمخلفات والأنقاض ومراتع للقاذورات ومنابع أو مقار شبه دائمة لمختلف أنواع القوارض والحشرات ، ولا يستطيع أحد أن يستجم فيها أو يمارس الصيد على ساحلها أو يقوم بالسباحة فيها على خلاف ما كانت سواحلنا وشواطئنا فيما مضى من الزمان.
يوم الجمعة الماضية ؛ فجعنا بوفاة طفل صغير غرقاً فيما يُسمى ( عنوة ) ساحل الحوض الجاف بمنطقة الحد ، وأحسب أن هذه ليست الضحية الأولى التي تقضي غرقاً في هذا الساحل الوحيد – تقريباً – الذي يرتاده أهل (جزيرة المحرق ) . لن نحكي عن نظافته ومقدار الاهتمام به أو الرمال التي تغوص او تتحرك فيه أو الحفر المفاجئة التي بداخله ، لكننا نسأل من هو المسؤول عن تركه هكذا بدون علامات تحذير ، وبدون حماية ولا رعاية ولاتعديل ، وبدون وسائل إنقاذ ولا منقذين ؟ لماذا لايخرج علينا أحد فيقول أن هذا الساحل غير آمن للسباحة فيه ويتقرر إغلاقه ؟ أرواح الناس غالية ، وأن تُنتزع فلذات الأكباد من بين أيادي آبائهم وأمهاتهم بكل هذه السهولة وعدم الاهتمام واللامبالاة أمر يحزّ في النفس ومدعاة للحيرة والاستغراب عن الأدوار المفترضة للجهات المسؤولة عنه . ندعو المولى عز وجل أن يتغمّد هذا الطفل الغريق بواسع رحمته ويدخله فسيح جنانه وأن يلهم أهله وذويه الصبر والسلوان .
سانحة :
للدقّة فقط ؛ فإن بعض السواحل والشواطىء في جزيرة البحرين هي في غاية الروعة والجمال لكنها إما سواحل خاصة أو منتجعات تجارية ، ويصعب دخولها والاستئناس بها بالنسبة لعموم المواطنين .