فاز عن طريق الانتخابات وصناديق الاقتراع في عام 1997م البروفيسور نجم الدين أربكان رحمه الله زعيم حزب الرفاه الإسلامي في تركيا بأغلبية كبيرة مكّنته من رئاسة الوزراء وتشكيل حكومته ، غير أن هذا الرئيس المنتخب لم يستمر في مكانه سوى بضعة أشهر تكالب خلالها عليه أعداء التيار الإسلامي بالهجوم وتخريب مسيرته حتى انتهى الأمر بانقلاب عسكري . وكان مما قاله الراحل أربكان عن أسباب عدم نجاحه واستمراره آنذاك أننا دخلنا إلى السلطة من دون أن يكون لدينا غطاء جوي ، وكان يعني بذلك الإعلام ووسائل توجيه الرأي العام .
وأحسب أن ذات التجربة تتكرر مع الرئاسة المصرية الجديدة حيث يأخذ الإعلام الدور نفسه ، والأمثلة على الحرب والتشويه والتحريض كثيرة ، ويكفي للاستدلال على ذلك باثنين : أولهما : في أواخر الشهر الماضي حضر الدكتور هشام قنديل رئيس الوزراء المصري حفل افتتاح أحد المشروعات الاقتصادية الكبرى في منطقة شمال غرب خليج السويس ، المشروع عبارة عن مصنع للفيبرجلاس ، أقامه الصينيون ، يُعدّ هو الأول من نوعه في العالم العربي والثالث في العالم، سيوفر فرص عمل تجاوزت خانة الآلاف ، الشركة الصينية ذاتها تم الاتفاق معها لتطوير وتجهيز منطقة أخرى مساحتها ستة كيلو مترات مربعة لجذب استثمارات قدّرت بمليارى دولار تستوعب (16) ألف فرصة ، وينتظر أن تحقق مبيعات تتراوح بين (10) و(12) مليار دولار خلال عشر سنوات . مشروع مصنع الفيبرجلاس كان متفقاً عليه منذ 1997 لكنه تعثر ولم يبدأ في تنفيذه وتحريكه إلاّ بعد زيارة الرئيس مرسي للصين .
زيارة رئيس الوزراء هشام قنديل وافتتاحه لهذا المشروع الاقتصادي الحيوي تجاهلتها أو لم تبرزها ( ماكينة ) الإعلام ، صحف وفضائيات ، ولم تعطها – على الأقل – ما يناسب مكانة الإنجاز . بينما نال خبر آخر حصل أثناء زيارة قنديل على اهتمام وتغطية أفضل وجرى إبرازه بصورة لاتنم إلاّ عن مقدار حرب التشويه والتحريض التي تُمارس ضد النظام المصري في صورته الجديدة . الخبر الذي حظي بتغطية أكبر من افتتاح مشروع اقتصادي هو الأول من نوعه في العالم العربي يقول أن ناشطين اثنين غاضبين ومحتجين على النظام استقبلوا رئيس الوزراء في السويس بالملابس الداخلية !!
أما المثال الثاني فهو التصريح الذي أدلى به مؤخراً عبدالفتاح السيسي وزير الدفاع المصري وقضى فيه على آمال ودعوات القوى السياسية المعادية للنظام المصري الجديد بنزول الجيش حيث استبعد السيسي في تصريحه أي احتمالية لتدخل القوات المسلحة في الساحة السياسية مجددا مبدياً احترامه لخيارات الشعب ، مشيراً لو حصل تدخل من الجيش فإنه لن نتكلم عن مصر لمدة (30) أو (40) سنة للأمام ودعا إلى الاحتكام إلى صناديق الاقتراع بدلا من مطالبة الجيش بالتدخل مؤكدا أن الوقوف أمام صناديق الاقتراع أفضل من تدمير البلاد.
وبالرغم من أهمية هذا التصريح من حيث مكانة ومنصب صاحبه وكذلك توقيته إلاّ أن بعض الفضائيات والصحف حرصت على تهميش هذا التصريح وإبراز خبر آخر في ذات اليوم يتعلق بما أسمته أحد القياديين في جماعة الإخوان المسلمين دعا المصريين لعدم تمكين الجيش من حكم البلاد خلال اجتماع في مدينة العريش بحضور فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي أثناء رجوعه من قطاع غزة ! لالشيء سوى أن تصريح السيسي لم يكن في وارد التوقعات التي كانت تدعو وتحرّض الجيش للانقلاب على الديمقراطية التي أتت نتائجها بخلاف طموحاتهم ورغباتهم .
هنالك إنجازات تجري على الأرض خاصة في النواحي الاقتصادية ومايخص معيشة المصريين يجري تغييبها أو تهميشها بفعل فاعل لالشيء سوى ذات الأسباب التي نبّه عليها نجم الدين أربكان رحمه الله .