في يومياتنا السياسية والإعلامية عجائب نستغربها ، نتحيّر أمامها ، نحاول تفهمها واستيعابها ، نبذل جهدنا في تحليلها أو تبريرها لكننا في النهاية نتألم لاجترارها ووصولنا إلى مرحلة التسليم بعجزنا عن فكّ ألغازها ، ومن ثم الاستسلام للقول المشهور ” في شي احنا مانشوفه ” .
من ذلك مثلاً – وليس حصراً – كثرة الكلام والاستياء عن السفير الأمريكي في البحرين ، وتدخلاته واتهامه بالتآمر والإساءة إلى البحرين وعلاقته المشبوهة بالمعارضة ، يمكن لا يكاد يمرّ يومين أو ثلاثة إلاّ ونسمع أو نقرأ شيئاً في هذا الجانب . بل وهنالك مطالبات بعزله وتغييره وصلت إلى حدّ توقيع عريضة ورفعها للرئيس الأمريكي بهذا الخصوص ! الغريب أن الأمر لايحتاج إلى كل ذلك ، فلو ارتأت الدولة انحراف السفير – أي سفير – عن مهام عمله ومتطلبات طبيعة تمثيله لبلده ؛ يمكنها من نفسها استدعائه والطلب بمغادرته أو تغييره أو إرسال رساله لبلده بأنه غير مرغوب فيه . هذا الإجراء عادي ومتبع ومعمول به بحسب الإجراءات والأعراف الدبلوماسية والعلاقات بين الدول .
في موضوع السفير الأمريكي ؛ رغم كل الضجيج حول تدخلاته وإساءاته لم يحدث شيئاً من ذلك ! بعد حادث التفجير الذي حصل مؤخراً في بني جمرة استغربنا أن السفير الأمريكي نفسه قد أصدر تصريحاً أدان فيه هذا التفجير ، وأخذ تصريحه مرتبة متقدمة في نشرات الأخبار المحلية الرسمية ، لم نفهم مناسبة هذا التصريح ولامناسبة وضعه في نشراتنا الرسمية خاصة بعد قيام مبعوث الرئيس الأمريكي بزيارة للمعارضة وإهماله أو إهانته لآخرين كان يُفترض اللقاء بهم .
لم تنته العجائب حيث أبت أن تضيف غريبة أخرى إلينا تتعلق بأن يجتمع هذا السفير الأمريكي – في ذات وقت الكلام عن عريضة شعبية ضده – مع وزير الإسكان ليطلع على جهود مملكة البحرين في توفير مشاريع السكن الاجتماعي للمواطنين ذوي الدخل المحدود من خلال الخطة الإسكانية الخمسية التي تتضمن العديد من البرامج والمبادرات التي تهدف إلى توفير المشاريع الاسكانية بمختلف محافظات المملكة !! وضعوا ماشئتم من علامات التعجب.
إذا شئتم – أيضاً – مثالاً آخر ؛ لابأس أن ننتقل إلى علاقتنا بالجانب الإيراني ، تصريحاتهم لاتنفك أن تهدأ ضدنا ، تهديدات بالفم المليان ، خاصة تلك التي تأتي من السيد عبداللهيان ، مساعد وزير خارجيتهم ، بلغت التهديدات بأن يتوعدوا البحرين بشيء لاتتوقعه . بالطبع هذا الأمر ليس بالجديد ، إنما هي حالة مستمرة منذ سنوات ، تضاعفت وتكثفت خلال السنتين الأخيرتين . الغريبة أنه في خضم هذا التهديد ، خاصة الأخير غير المسبوق ، يجري في ذات الوقت للقائم بالأعمال الإيراني في البحرين استقبال وتوديع عادي ، وسفيرنا – كذلك – موجود ويمارس عمله في طهران بشكل اعتيادي فيما تصرّ طهران على تقليل تمثيلها الدبلوماسي في البحرين وقصره على من هو أقل من سفير !
بحسب المنطق والعقل فإن الدولة هي ( الأبخس ) بمعرفة حدود وثوابت عمل السفراء وطبيعة علاقتها مع الدول ، وهناك إجراءات ومواقف لابد أن تُتخذ إزاء أي تجاوزات ومخالفات وتعدّيات لانعتقد أن أمريكا وإيران ليس لهما نصيب منهما ، ويستحقان من الدولة تدابير ضغط أو إلزام عند الحد ، أو على الأقل مايبين ( الامتعاض ) هكذا يُفترض لولا أن كثرة الغرائب من حولنا تدفعنا دفعاً لأن نستسلم للقول المشهور ” هناك شي احنا مانشوفه ” .