يطالب البعض بالإصلاح أو التعديل ويرفع آخرون لهجتهم إلى الإسقاط ، ويضع مواصفات ويقترح إجراءات معينة ، ويكون الكلام عن حكومة منتخبة ودوائر انتخابية عادلة وصلاحيات نيابية واسعة ، وما إلى ذلك من أمور يتم تسويقها باعتبارها مقومات للديمقراطية العريقة أو معمول بها في دول أجنبية بعينها.
ثم إن هذه المطالبات تغفل أو تتغافل عن البوْح بالدور الذي تقوم به الحكومات في تلك الدول التي يُراد الاقتداء بها ، ولا تتكلّم عن محدودية المسؤوليات التي تقوم بها تلك الحكومات قياساً بما تؤديه حكومتنا أو غالب حكوماتنا في دول مجلس التعاون الخليجي بالذات .
فالحكومة عندنا مسؤولة عن التعليم وعن الصحة وتوفيرهما بالمجان ، للجميع بما فيهم المقيمين والأجانب ، ومسؤولة عن توفير السكن وتزويد المواطنين بالكهرباء والماء بأسعار أقل من تكلفة إنتاجهما ، ومسؤولة عن إنشاء الحدائق وتوفير المنتزهات والسواحل ، ومسؤولة عن التوظيف والبعثات وحل مشكلات العاطلين ، مسؤولة عن فتح الطرق والأنفاق وإنشاء الشوارع والجسور ، مسؤولة عن تقديم تسهيلات ومزايا مجانية لاستقطاب المستثمرين ، لا ، وبدون ضرائب أيضاً ، مسؤولة عن الأسعار والوقوف ضد غول ارتفاعها ، بل وتقدّم دعماً كبيراً من أجل معادلتها مع أوضاع المواطنين ومستوياتهم ، مسؤولة عن رواتب مواطنيها ومداخيلهم ، حتى القطاع الخاص نطالبها بتعديل رواتب موظفيه وزيادتها .
الحكومة عندنا تكاد تكون مسؤولة عن كل صغيرة وكبيرة في حياة مواطنيها ، ويجري الاعتماد عليها في كل شيء تقريباً . ومع ذلك غالباً ما تكون متهمة بالخطأ والتجاوز والتقصير ، ومحلاً للشك في مصداقيتها والثقة بها ، وهي كالشيطان لا يستحق المدح والإطراء حتى لو ظهر منها ما يستحق ذلك المدح والثناء . ومن يرى إنجازاً أو كسباً أو أي عملاً حققته الحكومة فإن الثناء عليه والإشادة به يكون صاحبه في العادة منافق أو حمّال مباخر !
موضوعي ليس اليوم في الدفاع عن الحكومة أو إطرائها أو ( الدفدفة ) على أخطائها ونواقصها أو القفز على الآمال والإصلاحات المرجوة منها ؛ إنما موضوعي هو بيان استغراب من أن بعض الأطراف تريد نقل الممارسة الغربية وتتحدث عن تطبيقها وترفع من شأنها لكنها لاتتطرّق إلى دور الحكومة في حياة الناس هناك ، ولا تذكر المقارنة بين كيفية الاعتماد عليها هنا وهناك في كيفية تسيير حياة الناس . من حقنا أن ننتقد أو نعترض أو نتحفظ على أداء حكومتنا ، لكن – أيضاً – تستحق حكومتنا أو حكوماتنا في دول مجلس التعاون الخليجي أن نثمّن لها توليها كل هذه المسؤوليات في تسيير حياة من يقطن على أراضيها ، وهي مسؤوليات لاتتحمل في المجمل أجزاء كثيرة منها حكومات من يُراد لنا الاقتداء بنهجهم .
هنالك فرق بين الأداء والمبدأ ، الأداء قابل للنقاش والاعتراض عليه ، إنما المبدأ ؛ بالتأكيد الناس عندنا لن تتحمّل – مثلاً – حكومة لاتقدم التعليم مجاناً ولاتوفر العلاج والصحة بدون ثمن ، وتجبي الضرائب ، ليس على الشركات فقط وإنما حتى مداخيل الأفراد .
سانحة :
رحم الله الشرطي الشهيد ياسر ذيب الذي ذهب ضحية عمل إرهابي بينما هو يؤدي واجبه الوطني . ونأمل أن نسمع يوم غد في صلاة الجمعة الأولى لشهر رمضان المبارك من يدين ويستنكر بوضوح جريمة القتل هذه . رحم الله ياسر وأسكنه فسيح جنانه وألهم أهله وذويه الصبر والسلوان .