ربما في زحمة الانشغال بتطورات الشأن السياسي والانغماس في الأحداث الجارية هنا أو هناك يتقلّص الاهتمام بشؤون ومعايش أخرى باتت لاتستحوذ على الاهتمام اللازم أو مايناسبها من زخم ومتابعة ذهبت أغلبها نحو الأمور السياسية وأصابت الحماس لغيرها في مقتل أو خفت أو أقل صدى .

من ذلك أن صحافتنا المحلية طالعتنا يوم أمس الأول بخبر هام يتعلق بالشأن المائي في البلاد ، تضمن أرقاماً وإحصائيات هي أقرب إلى دق ناقوس خطر نحو قضية مؤرقة على مستوى العالم إلى درجة أن كثرة من المراقبين والمحللين يرون أن الحروب العالمية القادمة ستكون شرارة انطلاقتها الثروة المائية والنزاع على مصادرها ، ومع ذلك مرّ الخبر بإحصائياته ومعلوماته مرور الكرام .

الخبر الصادر عن دراسة أعدتها – مشكورة – هيئة الكهرباء والماء يقول أن الفرد البحريني يستهلك مايقرب ( 72) جالوناً من الماء يومياً ، أي مايعادل (272) لتراً بينما يقل عنه المعدل العالمي ليتراوح بين (160-180) لتراً . ثم يواصل الخبر فيؤكد أن معدل استهلاك البحريني من الماء يوميا يفوق المعدل العالمي للاستهلاك بنسبة تصل إلى (40%) .

إن هذا الفارق الكبير المذكور (40%) ليس من السهل القبول باستمراره في ظل أن البحرين – بحسب الدراسة ذاتها – تعتمد على المياه المحلاة بنسبة (70%)  مقارنة باعتمادها على المياه الجوفية بنسبة (30%) من اعتمادها الإجمالي . وكلنا يعلم مقدار التكلفة العالية لإنتاج المياه ، وهي تكلفة – لاشك – أنها تستنزف من ميزانيات الدولة ومدخرات الأجيال ما يمكن استغلالها في أمور معيشية وحياتية أخرى أيضاً .

قد تستطيع الدولة اليوم وغداً أن تنفق على إنتاج وتحلية المياه ، وقد تستطيع إنشاء محطة تلو المحطة لهذا الغرض ، تسدّ الناقص وتوفر المزيد  ؛ لكن يجب ألا نحصر الحلول لمشاكلنا وقضايانا الحيوية والهامة على مجرّد – بالرغم من أهميته – القدرة على توفير السيولة النقدية لتغطية تكلفة معالجتها ونقصر مسألة التغلّب عليها في مجرّد ضخ  التدفقات المالية لها ،. فهنالك مشكلات وظواهر يجب أن تنبثق لها حلول مجتمعية ، في أساليب استخدامنا لها والاستفادة منها ، تحتاج إلى وعي جماهيري بأهمية التغيير في أنماط الاستعمال ، هذه الحلول قد تكون أكثر جدوى من مسألة الإنفاق إلى مالانهاية على معالجة مشكلاتنا وتجاوز أزماتنا .

أعتقد أن معدل استهلاك البحريني من الماء يوميا يفوق المعدل العالمي للاستهلاك بنسبة تصل إلى (40%) هي مسألة تحتاج إلى حلول مجتمعية وليست حلول مالية .