لأن تراثنا وأمثالنا العربية ثريّة ومليئة بالحكم فإنه يمكن لأي أحد أن يختصر وصفه أو تحليله لأي ظاهرة أو ممارسة بالرجوع إلى تلك الموسوعة العربية العريقة فيكفي نفسه عناء العرض والشرح والتدليل ، وذلك بالنظر إلى  تزاحم الأشياء وتعدّد الأشباه بحيث يعزّ على الناس التمحيص والاختيار بين الغثّ والسمين ، بالإضافة إلى أنها قد تغنيه بالإشارة عن التفصيل باعتبار أن خير الكلام ماقلّ ودلّ .

وجاء في أصل هذا المثل (خرقاء وجدت صوفا)  أن امرأة قرشية يُقال لها: أمُّ رَيْطة بنت كعب بن سعد بن تَيْم بن مُرَّة، كانت تَغْزل الصُّوف، وتأمر جوارِيَها أن يغزلن مثلها، منذ الصباح حتى منتصف النهار ، وبعد أن ينتهين من عملهن تأمرهنَّ أن ينقضْنَ ما غزلنَ! فضُرب بها المثل في الخرق والحمق لالشيء سوى أنها تقوم بأداء عمل  بلا ثمر أو إنتاج ، وقيل فيها: “خرقاء وجدت صوفًا”. وهي – كذلك – التي قال الله عز وجل فيها: ﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا ﴾.

ويُضرب هذا المثل (خرقاء وجدت صوفا) للرجل الأحمق المفسِد الذي يقع في يده مال لايَستأهله فيَعِيث فيه، ويَصْرفه في غير مصارفه. على أن المقصود بـ ( المال ) هنا قد يكون إمكانات مادية أو بشرية أو معنوية يجري التضحية بتوجيهها في غير محالّها الصحيحة والمفترضة.

خسرت البحرين خلال السنتين الماضيتين الكثير مما كان يمكن أن يُضاف إلى إنجازاتها ويعزّز مكتسباتها ويزيد من نمائها ؛ ليس على المستوى الاقتصادي فحسب وإنما على مستويات ومجالات عديدة كان يُفترض أنه تم بدء الشروع في تحقيقها والبناء عليها والمضي في تطويرها وفق المشروع الإصلاحي لجلالة الملك المفدى ، شارك فيه جميع مكوّنات المجتمع ، تحرّكت عجلته واندفع قطاره الذي حمِلت عرباته الجميع ، كلّ الجميع بمن فيهم الوفاق وقوى المعارضة الأخرى قبل أن تقرّر طواعية النزول من هذا القطار وتفوّت على نفسها وجماهيرها فرص الاستفادة من العمل والتعديل والتطوير والإنجاز من داخله ، من داخل مؤسسات الدولة بمعيّة أطياف البلد وفئاته بدلاً من أن تأخذ موقف تلك الخرقاء التي نقضت غزلها .