اسمه مسلّم ( بتشديد اللام ) ، وهو سائق تاكسي عماني التقيته عند خروجي من صالة القادمين في مطار صلالة بسلطنة عمان ، فكان من أوائل العمانيين الذين التقيتهم وأنست بمحيّاهم ، فقد كانت ابتسامته وبشاشة وجهه سمة غالبة وفارقة لم تغادره طوال طريقي معه في سيارته الصغيرة من المطار إلى مقر نزولي بالفندق الموجود بمنطقة ( الدهاريز ) .
ولأنه – مسلّم – بهذه الأخلاق والبشاشة ؛ فقد طلبت منه أن يكون سائقاً ومرشداً سياحياً لتنقلاتي وطلعاتي مع عائلتي طوال أيام وجودي في مدينة صلالة الجميلة . وبالفعل تم هذا الاتفاق وصرت بمعيته بشكل يومي يطوف بنا مسلّم – الذي يحب أن يُكنى بـ ( أبو عامر )- مختلف المعالم والمرافق السياحية ، في طول المدينة وعرضها ، سواء في الشواطيء أو على سفوح الجبال ، هو من يحدّد الأماكن ومواقع الزيارات بشكل يومي ، ويستمر معنا منذ الصباح حتى أوقات متأخرة من الليل ، دون أن يبدي أي تعب أو ملل ، ومن دون أن تتغير بشاشته وطيب نفسه .
مسلّم ؛ كان سبباً آخر ومهماً لنجاح زيارتي إلى صلالة واستمتاعي مع عائلتي بأجوائها ، ليس بسبب تكفله بأحد أهم جوانب ومتطلبات السفرات ، وهو آلية التنقل والمواصلات فحسب وإنما أيضاً لأمانته وإخلاصه وحرصه على إظهار الروح العمانية الأصيلة التي هي بالفعل عنصر جذب هام بالنسبة للسياح والزائرين .
غير أن مسلّم يحمل في ذاته وبين ثنايا ابتساماته قصة نجاح تدلَ على مقدار العصامية والطموح والعزيمة التي تتملَك الناس الأسوياء حينما يدركون أن حياتهم إنما هي بذل وعطاء وإن جهودهم وتضحياتهم لابد من استثمارها لبناء أنفسهم ونفع أسرهم وخدمة وطنهم بدلاً من هدرها للضياع أو الاتكالية واللامبالاة وما شابهها من أمراض وظواهر تنتشر لدى الشباب يخسرون فيها أوقاتهم ويضيعون حيويتهم ويفقدون ( بوصلة ) الاهتمامات والانشغالات في ممارسة حياتهم أو غالب تصرّفاتهم .
قد تستغربون إذا عرفتم أن سائق التاكسي هذا الذي أتكلّم عنه ( مسلّم ) هو شاب صغير لم تتجاوز سني عمره الحادية والعشرين عاماً ، لكن الحياة والعصامية جعلت من رزانة عقله وتصرفه كما هو في الأربعينيات من النضج والتعامل . لم أستطع التعرّف بالضبط عن حالته المادية وأسباب عمله كسائق تاكسي وانخراطه بهذا العمل رغم صغر سنّه ونباهته وذكائه لكنني تفاجأت به وكَبُر في نظري عندما عرفت أنه طالب جامعي في السنة الثانية بكلية الهندسة في تخصص الهندسة الكيميائية !!
عرِفت أن ( مسلّم ) أثناء الدراسة يعطيها جلّ وقته واهتمامه باعتبارها مستقبله لكنه لايترك تماماً مهنته كسائق تاكسي ، ولا يخجل منها ، فهي مصدر دخل ورزق لا يتوانى عن القيام بها في أوقات فراغه وإجازاته . يقول عن نفسه أنه يقضي أيامه بين الدراسة والعمل ، مفتخراً بذلك ، بل لايجد تعباً أومللاً أو كللاً . والدليل هو استمرار ابتسامته وبشاشة وجهه . وهي دليل رضا وعلامة عصامية نحتاجها ويحتاجها كثير من شبابنا الذي بات يؤثر حياة الدلال والميوعة والتسكّع وقتل الوقت فيما لاينفع بينما قدراته وإمكانياته تستطيع فعل الكثير الكثير.