يرى الكثيرون أن التحركات الجارية الآن في المنطقة لتوجيه ضربة عسكرية لسوريا لاتتعلق بالرد على استخدام نظام طاغية الشام للسلاح الكيميائي وسقوط ما يقارب الألف قتيل جراء ذلك في مدينة الغوطة بتاريخ 21 أغسطس الحالي رغم أن هذا العنوان هو الذي يتصدّر سائر التصريحات واللقاءات والاجتماعات والتهديدات أو هو ( الشمّاعة ) المستخدمة لتبرير أو تمرير هذه الضربة المحتملة .
فمن السذاجة أن نعتقد أن كل هذه البوارج والصواريخ والمدمرات التي حشدتها الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها إنما جاءت انتصاراً للمسلمين بعد ضربهم بالكيماوي ، وأن جثث السوريين في الغوطة وهي محترقة ومختلطة بأشلاء الأطفال والنساء قد ( كسَرتْ) خاطرهم وقرروا الانتقام وأخذ الثأر لهم . لايمكن أن نصدّق أن السوريين الذين يموت منهم كل يوم بالمئات على مدار حوالي (30) شهراً الماضية حتى تجاوزت أعدادهم خانة الـ(90) ألف شهيد لم تحرّك لدى المجتمع الدولي أي ساكن ، وبقي الجميع طوال تلك الفترة يتفرّج أو يتواطأ على ذبحهم والفتك بهم في مجازر لم يشهد التاريخ مثلها إلاّ أيام التتار والمغول بينما هم الآن يولولون على قتل فقط ألف منهم بالكيماوي !! ياترى هل يختلف القتل بالكيماوي عن القتل بغيره ؟!
هل يمكن أن نطمئن أن الضمير العالمي أو مباديء حقوق الإنسان ونصرة الشعوب المظلومة والمكلومة قد صحت مجدداً ، هكذا فجأة على وقع ذبح ألف شهيد سوري بالكيماوي فقط ناسياً وراءه عشرات الآلاف قُتلوا أيضاً على يد ذات الجزار وسط صمت وتآمر و– وربما – تصفيق من هؤلاء الذين يدّعون اليوم حميتهم ونصرتهم وحماسهم للرد على القتل بالكيماوي !!
غالب الظن أن هنالك أهدافاً ومقاصد أخرى لهذه الضربة العسكرية لاعلاقة لها إطلاقاً بهذه الدماء الزكية المهراقة وليس لها صلة بحماية ماتبقى من الأبرياء في أرض الشام من مجنزرات السفاح ، وبالطبع ليست لصالح سواد عيوننا وحرياتنا واستقرارنا وما إلى ذلك من مبررات ومصطلحات يجري تمريرها من أجل أن تدفع الدول العربية والإسلامية فاتورة تكلفتها المادية الباهظة ثم تنوء ذات هذه الدول بنتائجها البائسة على الأرض ، وفي واقع العالم الإسلامي أمثلة كثيرة لأحوال دول وبقاع عربية وإسلامية عزيزة فقدنا قوتها ومكانتها و( درعيّتها ) بعد التدخل العسكري الأمريكي فيها .
باختصار ؛ قد يكون هذا التدخل العسكري هو لقطع الطريق على انتصار الأحرار والمجاهدين في سوريا ومنعهم من أن ينالوا ثمرة مقاومتهم وجهادهم وإسقاطهم لنظام الطاغية ، والأهم هو الحيلولة دون قيام نظام جديد في بلاد الشام لا يحظى برعايتهم ومباركتهم و( العمالة ) لهم ثم يكون مصدر قلق وخطر لكيانهم الصهيوني المدلّل المتمتع بصنوف شتى من الحماية حتى لو تجاوز في قتل الفلسطينيين كل الخطوط الحمراء والزرقاء والصفراء . فاللهم احفظ سوريا وسائر بلداننا مما يُحاك لها في الظلام ويُدبّر في ليل .
سانحة :
عن أبي الدرداء رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” إن فسطاط المسلمين يوم الملحمة بالغوطة ، إلى جانب مدينة يقال لها: دمشق، من خير مدائن الشام “.A