لاشك أن الحادثة قد هزّت المجتمع ، وحقّ لها أن تكدّره وتستولى على اهتمامه وتعاطفه وأن تكون مدعاة لغضبه وحنقه وارتفاع عقيرة مطالبه بالتحقيق والمحاسبة . الحادثة التي نعنيها هي وفاة الطفلة فاطمة التي دخلت مستشفى السلمانية لوعكة صحية بسيطة لكنها خرجت منه محمولة على الأكتاف إلى المقبرة وسط ذهول وحزن من مختلف الذين تابعوا حالتها خلال الأيام القليلة الماضية منذ أن وقع عليها التقصير أو الخطأ الطبي الذي غيّبها عن الحياة وأدخلها مرحلة الموت الإكلينكي .
ومهما تناقل الناس بألم وحسرة استياءهم ومطالباتهم بالتحقيق والمحاسبة وتعديل الأوضاع أو أن يتخذ كبار المسؤولين موقفاً أو تصرفاً أخلاقياً وحضارياً والتزاماً أدبياً وأخلاقياً فيقدّموا استقالاتهم تحمّلاً لمسؤولياتهم تجاه هذا الإخفاق الذي أودى بحياة هذه الطفلة البريئة ذات الاثني عشر ربيعاً ، وذلك باعتبار أن الاستقالة إنما هي موقف شجاع وجريء سيقدّره الناس وسيتناولونه بكل الفخر والاعتزاز ، ولا يعني بالضرورة انتقاصاً من الكفاءة أو اتهاماً بالارتكاب المباشر للخطأ بقدر ماهو موقف ينمّ عن إنسانية وتحضّر سبقنا إليها الكثير من الدول المتقدّمة التي ترى في الاستقالة تصرفاً عادياً ومقبولاً تجاه مثل هذه الإخفاقات خاصة التي تتسبب في خسارة أرواح .
أقول مهما تناول الغاضبون أفكارهم وأطروحاتهم ومطالباتهم تجاه حادثة وفاة فاطمة ؛ فإنها لن تردّ روحها ولايُقاس أو يساوي شيئاً أثرها عند أهلها الذين فقدوا فلذّة كبدهم ، نسأل المولى عز وجل أن يتغمّدها بواسع رحمته ويسكنها فسيح جناته ويلهم أهلها وذويها الصبر والسلوان .
وحتى لا يكون الكلام والغضب مجرّد ردّة فعل مؤقتة تخف أو تُنسى مع مرور الوقت باعتبار أن المصيبة عادة ماتكون كبيرة في البداية ثم تصغر شيئاً فشيئاً إلى أن تختفي مع أخواتها من الإخفاقات والتقصيرات المماثلة ؛ فإني أقترح من أجل تحسين خدماتنا الطبية وإعادة الثقة إليها وإزالة مخاوف المواطنين والمقيمين من سوء تشخيص أو علاج أن يُصار إلى سنّ تشريع أو إصدار قرار يلتزم بموجبه (علية القوم ) وجميع مسؤولي الدولة – كبيرهم وصغيرهم – بالعلاج داخل البحرين ، في المراكز الصحية والمستشفيات الحكومية ، وأن تكون ملفاتهم ومراجعاتهم العلاجية كبقية عموم الناس من حيث التشخيص والعلاج والعمليات وما شابهها . حينذاك فقط ستتحسّن الخدمات الصحية ، حينما يتساوى الجميع في تلقي العلاج ، وحينما يثق الكبار في مستوى تلك الخدمات وفاعليتها وحينما يكون علاج خاصة الناس وعامتهم في مستشفى واحد ومن ذات الخدمة ، ومن ذات نوعها . وغالب الظن إن تحقق ذلك وتم تطبيقه فعلياً ؛ فإننا لن نحتاج إلى علاج في الخارج ، وبالطبع قد لانسمع بحالات وفاة من مثل وفاة الطفلة فاطمة .. رحمها الله .
سانحة :
صار من القواعد المعروفة ( بس عندنا ) أن زيادة الظهور الإعلامي يرمي إلى التغطية على الفشل وعدم القدرة على الإنجاز .