نافذة الجمعة

إلى ذلك العربي المجهول !!

هانس فون سبونك، أحد الذين عملوا في منظمة الأمم المتحدة لعدة عقود من السنوات ، بلغت بالضبط (32) عاماً ، كان آخرها تعيينه منسقاً للأنشطة الإنسانية للأمم المتحدة في العراق خلال الفترة 1998-2000 م لكنّه آثر الاستقالة من تلك المنظمة احتجاجا على الأحكام الأممية التي أردت بالشعب العراقي للبؤس و المجاعة . وكان مما كتبه عن تلك المنظمة – وهو أحد أبنائها – مايلي : ” إن الأمم المتحدة بعيدة كل البعد عن السهر على احترام القانون الدولي ودعم عملية السلام ، وتصبح بذلك عامل ظلم بالنسبة لمعاون السكرتير العام السابق في منظمة الأمم المتحدة هانس كريستوف فان سبونك”.

غير أن صحوة ضميره ومبادئه دفعته لأن يكتب مقالاً رائعاً حول جريمة الأمريكان باحتلالهم العراق سيظل شاهد صدق على مزاعم حقوق الإنسان والدفاع عن الديمقراطيات والحريات التي يتشدّق بها الغرب علينا.  ورغم أن المقال قد تم كتابته في العقد الماضي إلاّ أنه يصلح لأن نستحضر أجزاء كبيرة منه لنتبين أنها لازالت قائمة في ديار العروبة والإسلام المستباحة من قبل هؤلاء تحت مسميات لم تتغير عماّ حدث في العراق الشقيق .

المقال الرائع لـ (هانس فون سبونك ) حمِل عنوان ( إلى ذلك العراقي المجهول ) وكتب في مقدمته : لم يبق إلا اعتزازك بنفسك.. وذنبنا، فهل ستسامحنا يوما؟ ومما جاء في المقال : ” ما فعلناه بك باسم الحرية والديمقراطية ليس له مثيل في التاريخ . لقد دسنا على حقائق معاناتك، وسعينا بكل الوسائل، حتى الرشاوى، لكي نفوز بالحلفاء، ودفعنا جانباً أولئك الذين عارضوا طموحاتنا الإمبراطورية. والقوة السافرة أصبحت البديل عن ذلك الوعد الذي أطلق في عام 1945 عن “إنقاذ الأجيال القادمة من كارثة الحرب”. إنك أنت من دفع الثمن.  الدكتاتورية الفظة كانت عذاباً لك، لكننا زدنا هذا العذاب بسيف العقوبات الذي سلطناه على رقبتك. كنت تتلقى لعنة العقاب المزدوج على شيء لم يكن لك يدا فيه. مات مليونان من أهلك خلال تلك السنوات العجاف، وربما أكثر ، لكن هل يعني هذا الرقم الكثير؟ لم يكن لأحد منهم أن يموت بسببنا، فالجميع لديهم حق الحياة بسلام، مثلنا نحن . دعنا لا ننسى أولئك الذين ما زالوا أحياء والذين لن يستطيعوا العيش كما كانوا ثانية. لقد أصبحوا كالصدف الأجوف الخالي من الروح”  

وذكر أيضاً : ” لم نكن نريد أن نشركك معنا في حريتنا وديمقراطيتنا. كل ما كنا نريد هو أن نمرر لك نفاقنا.  كاميرا الحياة تأخذ صورا حية. دعنا لا نستخدم تلك العدسات التي تظهر لنا الحقيقة. لا يمكننا الزعم بأننا لم نكن نحس بمعاناتك؟ ولا يمكننا إنكار عدم المشاركة في تعميق آلامك، وبحماس قل نظيره. كنا نعلم بجوع أطفالك. كنا نعلم بموتهم بالآلاف، لكننا لم نكن نحس بالذنب “

 لكن الأهم في مقاله مما يخص وقتنا الحاضر من مسرحيات وسيناريوهات و( فزّاعات ) قول هانس فون سبونك : ” حقا كان هناك محور الشر، ذلك الحلف من الحكومات ومعاهد البحوث وصنع القرار ومؤسسات الإعلام والشركات الكبرى ممن أقاموا حائط كبيرا من الخداع بينك وبين العالم. العراق؛ القاعدة؛ أسلحة الدمار الشامل؛ والإرهاب: قلنا للعالم إنها توليفة خطيرة. قلنا للجميع: ثمة مئات الأطنان من الأسلحة الكيماوية والبيولوجية، والكثير من الصواريخ والقنابل والآلاف من الإرهابيين يستعدون للانقضاض علينا. ثمة خطر ماحق ينتظرنا، وليس لدينا سوى استباقه وتدميره لتجنبه. كل أولئك المعارضين، ممن دعوا إلى السلم وتحكيم المنطق والقانون، عوقبوا عقاب “الصدمة والترويع” قبل أن تصب حمم “الصدمة والترويع” على رأسك. بكل سخرية، أعلنا أن (170) من مفتشي الأمم المتحدة وتلك الطائرات المروحية البيضاء، لم تكن كافية لأداء مهمة نزع سلاح العراق ، وساعدنا في ذلك فيض متواصل من الوثائق المزورة والتقارير المفبركة والاستخبارات المفتعلة لاقناع الناس بجدوى الحرب عن طريق زرع الخوف في قلوبهم، ولكي نقنع برلماناتنا بالموافقة على الحرب.  قلنا لجنودنا إنهم يحاربون الشر ويدافعون عن الخير. وزودتنا تلك السنوات الطويلة من تحسين تكنولوجيا الموت التي أنفقنا عليها المليارات الطائلة، زودتنا بالثقة بان الخسائر ستكون على جهتك أنت وليست بين جنودنا. وتأكدنا من أن تقارير الحرب تصورنا كأبطال وتمسخك شريرا ونصيرا لطاغية

كان هناك القليل من الزهور والإعلام والوجوه الباسمة ممن استقبلتنا عندما دخلنا العراق. أين ذهبت تلك الأسلحة الفتاكة التي وعدونا بالعثور عليها؟ لم نحس بالذنب، ولم تكن لنا رغبة في الاعتذار. ولسوء حظك، لم تكن هناك خطة لشفائك. المنتصرون هم المنتصرون. والفوضى لاءمت ما كنا نريده لك. لكننا كنا حريصين على آبار النفط. فأنت لم تكن تهمنا، بل العكس. لقد كان ممتعا مشاهدة غضبك وحقدك. نعم كان رئيسك يستحق ذلك. لكن الطمع، طمعنا وطمعك، اغتصب تراثنا المشترك. فمتاحفك أضحت فارغة، ومكتباتك محروقة، وجامعاتك مدمرة.  . لم يبق إلا اعتزازك بنفسك.. وذنبنا، فهل ستسامحنا ؟! “

سانحة :

ما أشبه الليلة بالبارحة .. من دون اعتبار لتبقى الضحية هي هي .

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s