دأب الإعلام الذي تمتلك أو تتحكم في غالب أدواته ونواصيه القوى العلمانية واللليبرالية ومن يسير في خطاها على ترويج واستخدام مصطلحات بعينها ، تبذل الكثير من جهدها وأموالها وتركز عليها في برامجها بهدف أن تجعل من تلك المصطلحات حقائق مسلّم بها في التعامل والتداول ، وتكون مسميات راسخة في ثقافة الناس وفكرهم لا يمتد إليها التشكيك ، ولا مجرّد السؤال عن صحتها من عدمها .
وهذه المصطلحات يستخدمها هؤلاء القوم في برامجهم ولقاءاتهم ومداخلاتهم وكتاباتهم وسائر أدبياتهم ، يلحّون عليها إلحاحاً حتى غدت من الراسخات والثوابت التي يصعب معها التصديق أنها دخلت على المسلمين عنوة وعلى حين غفلة ، وتم إقحامها عليهم بغرض التضليل والتشويه ، وتخريب فهمهم لدينهم ، والأسوأ في ذلك المساس بشمولية إسلامهم لشتى مناحي الحياة .
المصطلح الذي أعنيه هنا هو ( الإسلام السياسي ) الذي صار البعض يتلقفه ويردده من دون أن يعرف أن وراء إنشائه وبثّه في ديار العروبة والإسلام مقاصد ومرامي تهدف في نهاياتها إلى فصل الدين عن الدولة ، وتطبيق المقولة المسيحية ” ما لله لله وما لقيصر لقيصر ” وبحيث يستقر عند الناس أن دين الإسلام عبارة عن عقيدة وعبادة وأخلاق فقط ، أي دين ( دراويش ) وأن هذا الدين العظيم لاعلاقة له بمعايش الناس ، ولا يمسّ حيوية قضاياهم ، وليس له من سبيل في مشكلاتهم ، وأن منابره ومحاريبه مجرّدة من نبض الشارع وحركته ، معزولة عن هموم الناس وتطورات مجتمعاتهم ، وتبعاً لذلك فهو لاعلاقة له بحقوق سياسية أو أنظمة اقتصادية وليس له أن يُقحم في بقية مناشط ومجالات حياة الناس !
يُراد في الواقع من نشر وبسط هذا المصطلح ( الإسلام السياسي ) أن يُقال للناس أو أن يلصقوه بالتيارات والجماعات الإسلامية حينما تحاول وتعمل على أن يكون لها تواجدها ورؤيتها في ساحات العمل السياسي أسوة بكل الجماعات والأطياف والتوجهات الأخرى ، من علمانية وليبرالية وسواها ، فيُصار إلى اتهامها بالعمل في السياسة والتنفير منها باعتبارها قد أتت وانخرطت فيما ليس من الإسلام أو أنها ابتعدت – بحسب زعمهم – عن الدين ! فيكون خوضها في غمار السياسة ( حرام عليها وحلال لغيرها ) !
يحدث ذلك بالرغم أن ديننا الإسلامي العظيم إنما هو دين ودولة ، وتاريخنا المجيد يثبت أن المسلمين كانوا بالإسلام يحكمون وله يجاهدون ووفق قواعده يتعاملون وفي حدوده كانوا يسيرون ، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين وعموم قادة المسلمين وزعمائهم في الصفحات البيضاء من التاريخ لم يعرفوا هذا المصطلح ولم يكن هنالك عندهم فصل بين الدين والدولة . وأن قواعد ومفاهيم العدل والإنصاف والمساواة وحقوق وكرامة الإنسان وحرمته والمحافظة على نفسه وعرضه وعقله وماله التي أصبحت الآن نصوصاً متداولة في صميم السياسة إنما هي قواعد نظمتها الشريعة الإسلامية منذ قرون سالفة . وقد قال تعالى : ( ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء) .
المشكلة الآن أن بعض وجهاء الفكر والساسة في عالمنا العربي والإسلامي – وبالأخص المتعطشون منهم لما يحدّ من انتشار الصحوة الإسلامية أصبحوا أسرى للمصطلحات والأفكار الغربية ، ينطلقون منها ويفكرون من خلالها ويقيسون المفاهيم وفق معاييرها المادية البحتة ، وانضم إليهم أصحاب أقلام وكتابات موتورة ، حساسون ومتعطشون ضد انتشار الصحوة الإسلامية ؛ فأصبح ديدنهم الترويج لعدم اتساع الدين الإسلامي وشموله لشتى مناحي حياة الناس ، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإعلامية و… إلخ . وقد قال تعالى في قرآنه العظيم ” قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين ” .
المفكر الفرنسي روجيه جارودي بدما قضى شطراً كبيراً من حياته في البحث والدراسة أدّت به إلى اعتناق الإسلام ، وقال حينئذ ” ” إن شمولية الإسلام جعلته يستوعب كل من حوله من الديانات والأفكار والمناهج والأشخاص والأحداث) ” .
سانحة :
أيضاً من مقاصد نشر هذا المصطلح أن يبقى الإسلام ( مركوناً ) على الرف ، وخارج نطاق الاستعمال إلاّ فيما ندر ، أو يُستدعى عند الحاجة إليه ..