ليست فاطمة أو دعاء أو ملاك أو … إلخ حالات جديدة في الأخطاء الطبية التي أودت بحياة مرضى أو تصيبهم بعاهات أو مضاعفات تغيّر حياتهم أو تحدّ من ممارستهم لشؤونهم ومعيشتهم بشكل طبيعي حيث أن تلك الأخطاء إنما هي سلسلة متواصلة أسهمت بشكل أو آخر في تخلخل الثقة وضعفها في مستوى خدماتنا الطبية وعزوف كثيرين حتى من ذوي الدخل المحدود عنها وانصرافهم للطب الخاص ، بالرغم مما فيه من قصور وأسعار ( تكسر الظهر ) .
على أن الجديد في الأمر الآن أن هنالك من تبنى إظهار هذه الحالات إلى الرأي العام ، وأن هنالك من تولى رفع قضاياهم إلى النيابة العامة ، مما استوجب مع ذلك أن يتفاعل الناس مع هذه الحالات وأن تتخذ الجهات المسؤولة التحقيق والبحث عن الأسباب بجدّية أكثر من السابق باعتبارها أصبحت قضية رأي عام تعاطف مع هذه الحالات الإنسانية وحزِن لأجلها .
ومثلما ذكرنا بالأسبوع الماضي فإن أحد أهم أسباب قصور تلك الخدمات الطبية وضعف الثقة فيها هو أن ( علية القوم ) وكبار المسؤولين لا يتعالجون فيها ، ولا يراجعون مستشفياتها ومراكزها الصحية مثل باقي الناس ، وعلى طريقة باقي الناس ، وعلى ذات تشخيص وفحص باقي الناس ، وبحسب عمليات وأدوية باقي الناس . وأعتقد جازماً لو أن الجميع ( كبيرهم وصغيرهم ) انساقوا لذات تلك الخدمات الصحية لتبدّل حالها وأصبحت من الرقي والرعاية والعناية والتطور ما يجعلها محلاً للثقة ومحضناً أميناً مطمئناً للعلاج ، يسلّم فيه المرضى أرواحهم إلى الأطباء والممرضين ومباضع الجراحين بلا خوف ولا قلق ولاتردّد .
ليست الخدمات الصحية وحدها التي ستتصلح أمورها حينما يتساوى الجميع أمامها وفي رحابها وإنما العديد من الخدمات والمرافق تحتاج لكي تتطوّر وتستقيم أعوادها وتُحلّ مشكلاتها أن يتعرّض لها وينهل منها ويشعر بها ( علية القوم ) وكبار المسؤولين كما صغار الناس وعامتهم وأن يكونوا سواء في كيفية وطرق الاستفادة منها .
تصوّروا – مثلاً – حال مدارسنا الحكومية لو كانت هي الوعاء الذي يضع فيه الكبار ( وليس الصغار وحدهم ) فلذات أكبادهم ويستأمنونها على تربيتهم وتعليمهم ، ومثلها تخيلوا خدمات الإسكان ووحداتها التي لن تكون بهذه الأحجام والمساحات والتصميمات وبنفس سنوات الانتظار لو تم استواء الجميع ( الكبير والصغير ) في الحصول عليها . الأمر ذاته للشوارع والطرقات حيث ستتحسن وتزول الترقيعات والتحويلات والازدحامات ، وتُنجز الإنشاءات من جسور وأنفاق وإعادة رصف في أوقات قياسية ( وليست مفتوحة الآجال ) لو تم استواء الجميع ( الكبير والصغير ) في كيفية السير عليها واستخدامها . بل أعتقد أن الطوابير ستنتهي لو أن الوزراء والوكلاء والنواب والشوريين والبلديين وما شابههم قد اصطفوا بجانب عامة الناس على مكاتب ومناضد دوائر الخدمات ومرافقها المتعددة في مختلف الجهات الحكومية لتخليص معاملاتهم وإجراءاتهم .
حتى القانون ؛ لو مشى على مسطرته ( الكبير والصغير ) لحفظنا هيبته وأصبحت ممارسة العدالة والمساواة في تطبيقه مصدر عز وفخر ، ومدعاة للأمان والاستقرار ، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلّم : ” إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه ، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحدّ ” .